افهم الكتاب قبل أن تقرأه

إذا صادفت قارئاً وسألته عن سبب توقفه عن قراءة كتابٍ ما وأخبرك بأن الكتاب كان صعباً، فلا تصدقه دائماً.
نصادف كثيراً أثناء قراءتنا الكتب – والفكرية منها بشكل أكبر – أن نشعر بصعوبة الكتاب وإما نحاول بعدها إكماله بصعوبة فلا نخرج غالباً منه بفائدة كبيرة وقد لا نعطيه أيضاً قيمته الحقيقية في تقييمنا، وإما نتوقف عن قراءته.
لم أفتش يوماً في السبب وراء عدم فهمنا الكتب، ربما لأني كنت ألجأ لطريقة الحل لا إرادياً، فوجدت منفذاً لي، لكني لاحظت في الآونة الأخيرة أن عدداً من الزميلات القارئات في أحد المنتديات الإلكترونية قاموا بمراسلتي يبحثون عن طريقة لفهم الفلسفة التحليلية والنقد التأويلي وذلك بعد قراءتهم كتبا تدور حول الموضوع ولكنها متعمقة ولا يودون ترك الكتاب دون إكماله.
فهمت بعدها أننا حين نستصعب كتابا فإن السبب غالباً أننا أحياناً نقوم فجأة بقراءة كتاب متخصص دون اللجوء قبله إلى مداخل حول ذات الموضوع، كأن نقرأ كتابا يتحدث عن جوانب من مذهب معين مثلاً دون أن نفهم إلى ماذا يدعو هذا المذهب!
كل توجه يحتاج إلى بنية أساسية في البداية قبل الشروع في القراءة عنه، نحتاج إلى فهم أساسياته، وفهم معناه، لأنه بعدها سيفسر لنا كثيرا من المدخلات في أي كتاب، لأن كل كتاب يستند إلى كتب قبله كثيرة حتى من قبل الكاتب نفسه، فالكاتب حين يود أن يشرع في كتابة كتابه في حال كان متخصصاً متعمقا أو حتى مدخلاً ميسراً فإنه بالضرورة سيكون قبلها قرأ حول مفهوم ما سيكتب عنه، والتعريفات التي ذكرت في تاريخه له، والكتب التي طرحت عنه من قبل، أي أن الكاتب أسس بنيته قبل أن يكتب، لذلك فالقارئ يحتاج إلى أن يؤسس له بنية أيضاً قبل القراءة في حال لم يكن قد قرأ في الموضوع بشكل متوسع وشامل من قبل.
من الصعب أن نقرأ كتابا في النقد التأويلي قبل أن نفهم معنى التأويل، من الصعب أن نقرأ كتاباً حول الفلسفة المادية قبل أن نعرف تاريخ الفلسفة ومعنى المادية! لأن هذه الأسس تبقى في ذاكرتنا كأنها قوالب ثابتة ما سيأتي بعدها سيدخل فيها وهي بدورها تحلله وتفككه إلى معلومات مفهومة.
وقد يلاحظ أيضاً القارئ الفاهم للمبادئ في الفكر خاصة أنه لا يكتفي بالكتب فقط، بل سيقرأ ما وراء النص في الروايات كذلك!، فتجده يرى أن هناك أفكاراً فلسفية في أحداث رواية ما أو حدثاً ما رغم أن الكاتب لم يذكر هذا بشكل مباشر، ولكن فهم القارئ جعله يستنبط هذا المدلول.
قد يغفل بعض القراء عن موضوع التأسيس لأي فكر جديد سيقرأ عنه وذلك بسبب اطلاعه الواسع في علوم أخرى، ظناً منه أن هذا كاف بينما هو مخطئ في ذلك لأن كل علم مستقل عن الآخر وله أسسه المختلفة.
ما يجب أن يعيه كل قارئ ويفهمه أن القراءة دون فهم على أساس صحيح لن تكون مجدية مهما كانت عميقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي