غدا... تسكب العبرات وتستجاب الدعوات

الحمد لله الذي جعل البيت العتيق مثابة للناس وأمنا، وجعل كلمة التوحيد لعباده حرزا وحصنا، وجعل الحج تلبية بالتوحيد وذكرا، وجعل ثواب الحج المبرور المغفرة والجنة دوما. الحمد لله القائل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لك الإسلام دينا) المائدة ، آية 3 . الحمد لله الذي جعل لنا مواسم نتعرض فيها لنفحات الرحمن، وجعل الحج من بين أركان الإسلام ومبانيه : عبادة العمر، وختام الأمر، وتمام الإسلام ، وكمال الدين فيه. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
غدا هو خير أيام السنة، غدا هو يوم تسكب فيه العبرات وترفع الدعوات وتنزل الرحمات. غدا هو يوم المسلمين الأعظم في مشارق الأرض ومغاربها. ففي هذا اليوم من كل عام تنتاب المسلمين مشاعر فياضة، ورغبات جامحة، ويتمنون لو شاركوا إخوانهم الحجاج هذا المنسك العظيم وشهدوا معهم هذا الموقف الجليل. إن عظم المنسك من عظم المثوبة، منسك يخرج منه الناس - برحمة الله - كيوم ولدتهم أمهاتهم. الله أكبر.. سبحانك يا حنان يا منان، يا لطيفا بعبادك، ما أعظمك وأكرمك، كيف لا تتأجج في الناس هذه المشاعر وهم موعودون بهذه المنحة العظيمة. روي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ولذا كان من سنة السلف رضوان الله عنهم، أنهم كانوا يستقبلون الحاج ويقبلون ما بين عينيه ويسألونه الدعاء، يبادرونه ذلك قبل أن يتدنس بالآثام.
اللهم إنا نشهدك أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، تحيي وتميت وأنت حي لا تموت، بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير. اللهم إن هؤلاء عبيدك لم يخرجوا شطرا ولا بطرا، ولا رياء ولا سمعة، بل خرجوا اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، وقضاء فرضك، واتباع سنة نبيك، وشوقا إلى لقائك، ورغبة في عفوك، وطمعا في رحمتك. اللهم إليك خرجوا، وبفنائك أناخوا، وإياك أملوا، ولما عندك طلبوا، ولإحسانك تعرضوا، ولرحمتك رجوا، ومن عذابك أشفقوا، وإليك بأثقال الذنوب هربوا، ولبيتك الحرام قصدوا وحجوا. اللهم إنك تملك حوائج السائلين، وتعلم ضمائر الصامتين، ولا تزداد على كثرة السؤال إلا جودا وكرما، وعلى كثرة الحوائج إلا تفضلا وإحسانا، نسألك مسألة المساكين المتذللين أن تعطي كل سائل مسألته.
اللهم يا رفيع الدرجات ومنزل البركات، ويا فاطر الأرضين والسموات، تقبل منهم الدعوات وأنزل عليهم الرحمات وتجاوز عن السيئات. اللهم إنك خلقت السخاء والأسخياء، وأنت أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأحق بالجود والكرم من العالمين، اللهم فاشملنا معهم بواسع رحمتك وعظيم عفوك.
اللهم تابعت النعم حتى أطمأنت الأنفس بتتابع نعمك، وأظهرت العبر حتى نطقت الصوامت بحجتك، وأظهرت الآيات حتى أفصحت السموات والأرضون بأدلتك، وقهرت بقدرتك حتى خضع كل شيء لعزتك، وعنت الوجوه لعظمتك. سبحانك إن أساء عبادك حلمت وأمهلت، وإن أذنبوا عفوت وغفرت، وإذا دعوا أجبت، وإذا نادوا سمعت. اللهم إنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين، ولنبينا محمد بالرسالة مخلصين، فأغفر لحجاج بيتك ولنا ولوالدينا وأمواتنا ما قد سلف وأرحمهم. ربنا وآتهم وإيانا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقهم وإيانا برحمتك عذاب النار يا عزيز يا غفار.
اللهم وأعظم الأجر لجميع من قام مخلصا وصادقا بخدمة حجاج بيتك وتيسير أدائهم لهذا النسك العظيم من رجال الأمن والصحة والحج وسائر الخدمات. اللهم إن الركب كثير والحاج قليل، اللهم فأعفو وأرحم وتكرم وتجاوز، إنك أنت الله الأعز الأكرم. اللهم تولى حجاج بيتك الحرام بجميل لطفك وكريم عنايتك، وتقبل منهم ما قدموا، وأعدهم لديارهم سالمين غانمين، سبحانك إنك ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي