هل يخدم مجلس الأمة الديموقراطية في الكويت؟

مرة أخرى يقود مجلس الأمة الكويتي البلاد باتجاه أزمة سياسية، حين طالب بعض أعضائه باستجواب رئيس مجلس الوزراء بعد السماح لرجل دين إيراني بدخول البلاد وهو الذي سبق له أن أطلق عبارات تأجيجية طائفية. انسحب الوزراء من جلسة مجلس الأمة، وقدمت الحكومة استقالتها بعد اجتماع طارئ للحكومة.
كثيراً ما تثير هذه الأخبار رجل الشارع البسيط في البلاد العربية. كيف لا، وقد استطاع أفراد إسقاط الحكومة دون عنف أو انقلاب ولكن من خلال آليات دستورية مشروعة. ولكن الذي لا ينكره أحد أن تكرار مثل هذه العنتريات ليس له مردود وطني واضح. فليست الديموقراطية فوضى أو تشدقا باستجواب أكبر مسؤول في الحكومة أو استجواب هذا الوزير أو ذاك. من أسس العمل الدستوري الديموقراطي أن يكون بنائياً يكمل بعضه بعضاً. ولكن هل تبني مثل هذه المفرقعات السياسية مستقبلاً سياسياً مستقراً؟
بالطبع أنا سعيد أن توجد في الكويت حرية سياسية وإرادة دستورية تتيح للنواب ممارسة هذه الحرية بأكملها دون إلزامهم بجدول عمل معين، ولكن يبدو لي أن الأمر انحدر إلى رغبة بعض الأعضاء في البروز بين الزملاء والظهور إعلامياً بمظهر البطل الأسطوري الذي لا يخشى شيئاً، دون أن يعلم أمثال هؤلاء النواب أنهم إنما أضروا البلاد، ومستقبلها الديموقراطي، حيث لا يمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه من الفوضى وتعاقب الحكومات والبرلمانات. وكأن البلاد في حالة انتخابات مستمرة لمجلس الأمة، وحكومات تأتي لتستقيل وكأن الكويت ليس لها خطط تنمية طموحة وهذه الأزمات تحول ولا شك دون تحقيقها.
لست مع التهجم على أية طائفة أو دين، ولكن ما كنت لأجعل من هذا الموقف فرصة سياسية لاستعراض القوة وإبراز العضلات البرلمانية. فكلما عرضت مسرحية أو زار أحد الفنانين الكويت، أو بعد كل معرض للكتاب أو بعد كل مهرجان ثقافي تثور ثائرة بعض أعضاء مجلس الأمة ويطالبون باستجواب هذا الوزير وذاك. وكأن الاستجواب هو سبيل البناء الوحيد، أو هو وظيفة مجلس الأمة الرئيسة، وليست كما ينص نظامه بأنها دراسة المشروعات المقدمة من الحكومة أو التي يقترحها أعضاؤه. بل إن الاستجوابات في حد ذاتها يفهم منها أنها مرتبطة بمشروعات معينة تحت الدراسة أو تم تنفيذها ولأعضاء المجلس الرغبة في الاستفسار عن تفاصيل متعلقة بها. أي أنها استجوابات بنائية لا هدمية، استجوابات تفيد في تكريس المحاسبية والانضباط في العمل الحكومي والشفافية في المال العام.
طاقات البلاد استهلكتها حكومات تتعاقب وبرلمانات تحل وحملات انتخابية يصرف فيها مئات الألوف، لتخرج الأسماء ذاتها التي تقود للأزمة مرة أخرى، لتكون النتيجة 25 حكومة و11 برلماناً في 46 عاماً، بمتوسط مقداره أن الحكومة تدوم عاماً ونصفاً أو يزيد قليلاً. ولاشك أن ذلك هدر لطاقات هذه الحكومات المتعاقبة وبرامجها التنموية. بل إنها تعطل أعمال المجلس نفسه بإشغاله بمفرقعات إعلامية تؤدي لأزمات سياسية قد تؤدي لحل المجلس كما حصل مراراً، ويوشك أن يحصل مجدداً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي