كلنا خدم....

يشرفني أن أكون خادمة..! بل أجازف بالقول أنه يجدر بنا جميعا أن نكون خدما, وقبل أن تثور مشاعر العزة و الكرامة لديك, وقبل أن تستنتج أن كاتبة هذه الكلمات ليست بكامل قواها العقلية فلننظر إلى معنى كلمة خادم أو خدمة...فقد تكتسب بعض الكلمات إيحاء سلبيا ليس لتغير في معناها الأصلي بل لتبدل في فهم الناس لها حسب قيمهم. ومثال على ذلك كلمة "طيب" التي يفترض أن تطلق على صاحب الخلق الحسن و القلب السليم, إلا أنها أصبحت تطلق على الساذج والمغفل..لماذا؟ لأن صفات الخلق الحسن والرحمة قلت قيمتها في السوق الاجتماعية مقارنة بصفات أخرى كالدهاء والقدرة على الخداع والمراوغة و سوء الظن بالناس, أي أن المعروف بات منكرا والمنكر معروفا تماما كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام. وينطبق هذا على مفهوم الخدمة الذي يشير إلى المسؤولية وأداء الواجب والعطاء والتعاون في حين أنه بات يحمل إيحاء بالذل والمسكنة وانعدام الحرية. فما معنى الخدمة إذا؟ هي ببساطة تقديم العون أو مصلحة ما لشخص في مقابل أجر مادي (أو معنوي أحيانا). فلو تأملنا في هذا التعريف وسألنا أنفسنا: وما العيب في ذلك؟ أفي ذلك خدش للكرامة الإنسانية؟ يبدو أن الجواب بديهي بدليل أننا جميعا (بغض النظر عن المسميات التي نفضل أن نطلقها) نخدم أحدا كما أن معظمنا يتلقى الخدمات من الغير. فما الأب الذي يكدح ليعيل أسرته إلا خادم لهم, والأم تخدم عيالها, والموظف يخدم جهة عمله (ووطنه), والمدير يخدم مؤسسته كما يخدم موظفيه, والطبيب يخدم مرضاه, ولعل الشاعر العربي لخص هذا المعنى حين قال:
والناس للناس من بدو و حاضرة
بعض لبعض- وإن لم يشعروا- خدم

وحتى ولي الأمر يخدم شعبه كما يخدمه ذلك الشعب, بل أن بعض الخلفاء كانوا يستخدمون لقب(خادم المسلمين) عوضا عن (أمير المسلمين) ولعلهم فعلوا ذلك تذكيرا لأنفسهم بحقيقة واجبهم. ويبدو ذلك مشابها لما قصده أحد المحللين السياسيين الأمريكيين حين كتب مقالا بعنوان (والآن...وبعد أن أصبحت موظفا لدي..) مخاطبا من؟ سائقه أم موظف يعمل تحته؟ إنه يخاطب باراك أوباما الرئيس المنتخب للولايات المتحدة ...
فمن أين أتت تلك المفاهيم المغلوطة إذا وقد قال الله عز و جل عن البشر: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)؟ نعم, لقد أثبت الله سبحانه تفاوت الدرجات بين البشر ولكن محال أن تكون علة ذلك التفاوت هي احتقار بعضهم لبعض وتكبرهم و ظلمهم, بل هي أسمى من ذلك:تسخير بعضهم لخدمة و عون بعض وتبادل المصالح والخدمات بينهم وبذلك تستقيم الحياة.فما ظنكم ببلد كل من فيها ملوك؟فلا موظفين و لا بنائين ولا سباكين ولا خدم...ولا شك أن كل منهم سيستنكف عن ممارسة تلك المهن لأنها دون مرتبته فهو (ملك!), فأي بلد تلك, وأي مصالح ستقضى و أي تقدم وتطور يُرجى فيها؟ إنها بلد ميتة خاملة, ولكن و لله الحمد كل أهلها ملوك, وهم جميعا محافظون على مكانتهم و عزتهم..فلا خوف عليهم!
فلعلنا نفهم يوما ما أن هؤلاء الذين يخدموننا ونحسبهم أقل منا بسبب خدمتهم لنا (أليس ذلك من الجحود؟) يقومون بواجبهم في المجتمع ,ذلك الذي سخرهم الله تعالى له,فما وجه الاحتقار بعد ذلك؟ والأهم,هل نحن نقوم بواجب خدمتنا الذي سخرنا ربنا له؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي