العلاقة الصينية ـ الهندية الاستراتيجية مهيأة لمسار غير متكافئ
الصين والهند عملاقان آسيويان وبدأتا ممارسة تأثير هائل في الشؤون السياسية والاقتصادية الدولية، والعلاقات السياسية والاقتصادية بين الهند والصين أفضل مما كانت منذ حرب الحدود عام 1962 بين البلدين، والاعتماد الاقتصادي المتبادل يتزايد بسرعة ومن المتوقع للتجارة الثنائية أن تتجاوز 40 مليار دولار في هذه السنة، لكن العلاقة الاستراتيجية والأمنية فشلت في التمشي مع الوضع، ورغم المفاوضات طويلة الأمد على الصعيد السياسي لحلّ النزاع الإقليمي والحدودي القائم بين البلدين، فقد تحقق تقدم ضئيل حول هذه القضية الحساسة، وهي حقيقة اتضحت بشكل صارخ نتيجة تسوية الصين خلافها الحدودي مع روسيا في أوائل هذه السنة.
في الحادي عشر من نيسان (أبريل) 2005، أعلنت الصين والهند "شراكة استراتيجية" جديدة بعد اجتماع على مستوى القمة بين رئيسي الوزراء مانموهان سنج ووين جيابو، وسارع المحللون الدوليون إلى الإشارة إلى أن آفاق علاقة أكثر تعاونا بين هذين الاقتصاديين الناميين كان لها دلالات عالمية بارزة.
إن الشهية النامية بسرعة للبلدين على الطاقة واعتمادهما الكبير على واردات النفط والغاز يجبران كلا البلدين على تأمين أسهم نفطية في الخارج، وكانت شركات النفط والغاز الصينية والهندية في تنافس بينها للاستثمار في الحقول في الخارج، وستؤدي استراتيجية تقوم على التعاون وليس على التنافس إلى مساعدة البلدين لتأمين شروط أفضل وستمكنهما من المشاركة في مخاطرهما، ويمكن لهما أن تنتهجا نهج اتحاد أو مشاريع مشتركة للمزايدة والاستثمار في المشاركة في تكاليف البنى التحتية مثل إقامة خطوط أنابيب مشتركة.
إن توجه الصين والهند المنسق في المفاوضات الدولية يثبت أنه مفيد للطرفين، فعندما يتحدث البلدان اللذان يمثلان أكثر من ثلث سكان العالم بلغة موحدة، كما ظهر ذلك في طريقتهما المنسقة في مفاوضات منظمة التجارة العالمية وحول القضايا البيئية، لم يكن أمام العالم من خيار إلا الجلوس معهما وملاحظة ما يجري، ولعبت الصين والهند دورا مهدئا في الانهيار المالي العالمي المستمر، وعليهما أن يسعيا معا إلى الإصلاح المعلق منذ زمن طويل للهيكل المالي العالمي، وفي الوقت الذي يملك فيه البلدان احتياطيات عملة أجنبية جوهرية فإن بإمكانهما وعليهما أن يلعبا دورا أكبر في اتخاذ القرارات في منظمات بريتون وودز.
وإصلاح مجلس الأمن الدولي مجال آخر للتعاون, وكما لعبت الهند دورا إيجابيا جدا في عضوية الصين في الأمم المتحدة، وإدخالها اللاحق في مجلس الأمن الدولي، فإن على الصين أن تدعم تطلع الهند إلى مقعد في مجلس أمن دولي موسع، وهذا سيزيد بشكل طبيعي من مكانة آسيا في الشؤون العالمية.
ومكافحة الإرهاب مجال آخر يمكن للصين والهند أن تتعاونا فيه لمصلحتهما المتبادلة، لأن كلا البلدين ضحايا للإرهاب الأصولي الإسلامي الشامل الذي يجيء عبر حدودهما، ويحتاج البلدان أيضا إلى مواجهة خطر تهريب المخدرات من الهلال الذهبي من جانب والمثلث الذهبي من الجانب الآخر.
ومن المنظور الهندي هناك عدة مجالات تثير قلقا دائما، وأبرزها "الصداقة القوية" بين الصين وباكستان التي يقال إنها "أعلى من الجبال وأعمق من المحيطات"، فالحكومة الهندية والمحللون مقتنعون بأن الصين أعطت تصاميم رؤوس حربية نووية وتكنولوجيا صواريخ إم 9 وإم 11 مركبة بالكامل ومشحونة بالصناديق لباكستان، ووردت أخبارها على نطاق واسع في الإعلام العالمي.
ويعرف عن الصين وباكستان أيضاً أنهما تملكان برنامجا مشتركا لتطوير الأسلحة والمعدات يشمل دبابات الخالد والطائرة المقاتلة JF -17 /FC-1 .
ومساعدات الصين العسكرية أدت إلى تعزيز ملحوظ لإمكانية شن باكستان الحرب ومكنتها من شن وإدامة حرب بالوكالة في جامو وكشمير وفي أجزاء أخرى من الهند.
تتضمن المسائل الأخرى المثيرة للخلاف معارضة الصين المستمرة لبرنامج الأسلحة النووية الخاص بالهند، وانتهاكاتها العميقة في ميانمار ودعم نظامها العسكرية، ومساعدتها السرية لنمور تحرير التاميل في سيريلانكا، وأنشطتها المتزايدة في خليج البنجال، ومحاولاتها عزل الهند في المنتدى الإقليمي لدول آسيان، وجهودها التي لا تكل لزيادة نفوذها في نيبال، بهوتان، وبنجلادش. وينظر إلى الجهود التي تبذلها الصين لتطوير مرافق الميناء في ميانمار (هانجيي)، وسريلانكا (هامبانتوتا)، والمالديف، وجوادار في باكستان، من جانب العديد من المحللين الهنود على أنها الجزء الذي يشكل استراتيجية "سلسلة اللؤلؤ" بالنسبة إلى الهند، للقدرة على الهيمنة على منطقة المحيط الهندي الشمالية. وبناء عليه، ينظر إلى هذه الخطوات وكأنها جزء من خطة منسقة بعناية تهدف إلى تطويق الهند استراتيجياً في الأجل الطويل، لمعادلة ميزان القوة المتنامية للهند ونفوذها في آسيا، حتى في الوقت الذين تقوم فيه الصين بإشراك الهند في الجبهات السياسية والاقتصادية في الأجل القصير.
حيث إن كلا من الصين والهند دول مسلحة نووياً، فمن مصلحة البلدين ضمان المحافظة على الاستقرار الاستراتيجي، وتقليل مخاطر التبادل النووي العرضي أو غير المصرح به إلى أدنى حد. وهذا ممكن فقط إذا جلس المفاوضون من كلا الجانبين معاً، وناقشوا تدابير لبناء الثقة على الصعيد النووي، وتدابير لتخفيض المخاطر النووية. وعلى أي حال، فإن إصرار الصين على أنها لا تستطيع مناقشة تدابير بناء الثقة على الصعيد النووي، وتدابير تخفيض المخاطر النووية، مع الهند حيث إن الهند ليست دولة تمتلك أسلحة نووية معترف بها من قبل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، يثبت أنه حجر عثرة. والموقف الرسمي للصين هو أن الهند يجب أن تتراجع وتلغي أسلحتها النووية بحسب شروط قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1172.
من غير المحتمل أن يحدث ذلك، على الأخص في الوقت الذي فتحت فيه الهند الآن مدخلاً خلفياً إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية من خلال الإعفاء الذي قدمته لها مجموعة المزودين النوويين، واتفاق إجراءات الحماية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تم الاعتراف بها كدولة مسؤولة تمتلك تكنولوجيا نووية متقدمة. كما وقعت الهند اتفاقيات تعاون في المجال النووي المدني مع فرنسا والولايات المتحدة، ومن المحتمل أن توقع معاهدة أخرى مع روسيا في كانون الأول (ديسمبر) 2008. وسيكون من مصلحة البلدين مناقشة تدابير بناء الثقة على الصعيد النووي، وتدابير تخفيض المخاطر النووية من أجل تعزيز الاستقرار الاستراتيجي في جنوب آسيا. وإنه من مصلحة الصين أيضاً أن تدخل في اتفاق تجاري نووي مع الهند، حيث إن الهند تبرز بسرعة كسوق كبيرة للوقود النووي، والتكنولوجيا النووية.
تدرك الهند حقيقة أن العلاقات الخارجية المتنامية للهند مع شركائها التجاريين والاستراتيجيين الجدد تسبب بعض المخاوف في الصين. ونظرت الصين ببعض الشك إلى رغبة الهند في الانضمام إلى أستراليا، واليابان، والولايات المتحدة في اتفاق "رباعي الأطراف" لتعزيز المصالح العامة المشتركة. وترغب الصين أيضاً في تقليل ما ينظر إليه على أنه نفوذ متزايد بشكل ثابت للولايات المتحدة على نيودلهي. وتدرك الصين أن الولايات المتحدة تسبق بكين عدة سنوات في الاعتراف بقدرة الهند كقوة عسكرية واقتصادية، وزادت بشكل كبير من تعاونها مع الهند في كلا المجالين. وعلى أية حال، اتبعت الهند دائماً سياسة خارجية مستقلة، وتثمّن استقلالها الاستراتيجي. وسنتذكر أن الهند دعمت بشكل عنيد حركة عدم الانحياز لعدة عقود خلال الحرب الباردة، ولم تدخل على الإطلاق في تحالف عسكري مع أي دولة.
بناء على ذلك، فإن العلاقة الاستراتيجية الجديدة للهند مع الولايات المتحدة يجب ألا تعوق العلاقات الصينية – الهندية، التي لها أهميتها الاستراتيجية الخاصة بالنسبة إلى الهند. ومن بين جميع المجالات ذات الاهتمام بين الدولتين، فإن النزاع القائم منذ فترة طويلة بشأن الأراضي والحدود هو أكثرها إثارة للخلاف. وثمة احتمال بأن يكون للعلاقة الأمنية السيئة تأثير مفسد في العلاقة الأوسع نطاقاً، وأن تحدد في نهاية المطاف إذا ما سيتصادم العملاقان الآسيويان، أو يتعاونان من أجل مكاسب متبادلة.