إسرائيل وصناعة الحلفاء.. النموذج التركي (1)

أدت نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وكتلته إلى تنامي قوة الولايات المتحدة. وقد ربحت إسرائيل بشدة من جراء هيمنة حليفتها الكبرى. وبدأت تجني ثمار هذا التطور فأقدمت دول عديدة على التقرب إلى إسرائيل خاصة مع الضعف الشديد الذي أصاب العرب لأسباب لا يتسع المقام لذكرها. كان من نتيجة ذلك إقبال الصين والهند وروسيا وتركيا على بناء جسور حقيقية مع إسرائيل في النواحي الاقتصادية والسياسية بل إن معظم الدول التي كانت واقعة تحت مظلة الاتحاد السوفيتي السابق مثل فيتنام ولاوس وكمبوديا ودول آسيا الوسطى حذت حذو الدول المذكورة. وبديهي أن الدول العربية لم تعد تتصدى لأي جهد تقوم به الدول لتطوير علاقاتها بإسرائيل خاصة وأن دولا عربية عديدة أقدمت على ذلك. الساحة الآن رحبة وواسعة لكي تعربد فيها إسرائيل وتصبح رابع أو خامس دول العالم في تصدير السلاح (هم يقولون الرابع والإحصائيات العالمية تضعهم في المركز الخامس) بل وتصبح مصدرا للتقنيات المتطورة في صناعة السلاح والكيماويات تحرص دول مثل الصين والهند على اكتساب خبراتها.
أما النموذج التركي فهو بحاجة إلى التوقف نظرا لأهميته، باعتبار تركيا وتدا مهما في خيمة المنطقة، وصاحبة علاقات تاريخية مع العالم العربي والإسلامي.
كان للثورة العربية التي قادها الإنجليز من خلال الشريف حسين بن علي الذي دعمه لورنس العرب لتدمير البنية العسكرية التركية أكبر الأثر في حدوث حالة النفور التركي من العرب، ولم ينس الأتراك للعرب أنهم دعموا الجهود العسكرية البريطانية في الحرب العالمية الأولى. فعندما جاء أتاتورك سنة 1924 قام بالتتريك بدءا من تغيير اللغة إلى عزل تركيا عن عالمها الإسلامي والعربي. ولذلك لم يكن غريبا أن تعترف تركيا بإسرائيل عام 1949 لإرضاء واشنطن.
وعندما انضمت تركيا لحلف شمال الأطلنطي، كانت إسرائيل حليفا لها ضد الاتحاد السوفيتي، التي أوهمها الأمريكيون أنهم يتربصون بها. ورغم ذلك لم يستسغ الأتراك أبدا فكرة عدوان إسرائيل على العرب رغم عدم قطعها علاقاتها بإسرائيل أبدا. وبعد نهاية الحرب الباردة وقفت الدولتان كربيبتين لأمريكا، وبدأت تعتبرهما "الحالة" المثالية لاقتصاد السوق والديمقراطية!
في 1992 تم رفع مستوى العلاقات إلى درجة سفير وقفز حجم التبادل التجاري إلى 2.8 مليار دولار سنة 2007 بعدما كان 200 مليون فقط سنة 1993. ومنذ منتصف التسعينيات أصبحت تركيا المقصد السياحي الأول لإسرائيل، وفي ذلك الوقت اتسع مجال توقيع الاتفاقيات العسكرية التي جمعت جهودهما الاستخباراتية المشتركة وبلغ الأمر إقامة مناورات عسكرية مشتركة وتعزيز التعاون المشترك في كل المجالات. لقد أصبحت الابنتان تحت جناح أمهما أمريكا حليفتين بكل ما تعنيه الكلمة.
وتركز تركيا وإسرائيل على ما تسميانه قضايا المصلحة المشتركة وعلى رأسها الجار الذي لا يحبونه: سورية ثم هناك خطر الإسلام الأصولي عليهما الأولى لعلمانيتها والثانية لصهيونيتها ومستقبل آسيا الوسطى وانتشار أسلحة الدمار الشامل حيث تكرس واشنطن وإسرائيل جهودهما لتخويف تركيا من إيران كما تفعل واشنطن مع كل العرب، انطلاقا إلى إثارة نعرات الشيعة والسنة وما يروق لأمريكا لإشعال النار. (المعروف تاريخيا أن إيران والعراق وسورية تكن كراهية شديدة لتركيا وإسرائيل) ويلعب الإسرائيليون بورقة لواء الأسكندرونة السوري الذي خطفته تركيا وقيام سورية بإيواء عناصر من حزب العمال الكردستاني لتأخذ أنقرة في أحضانها. وترى إسرائيل أن تركيا هي المتحكمة في مياه سورية والعراق ولذلك فهي سند مهم لتركيع العرب الآسيويين. وتبقى الساحة العسكرية هي الأهم حيث تعتمد الصناعات العسكرية التركية على التكنولوجيا الإسرائيلية خاصة صفقة تطوير الفانتوم التركية على يد الإسرائيليين وكذلك الدبابة 60 وترك المجال التركي الجوي لتدريبات الإسرائيليين وتدريب الأتراك في النقب. إلى جانب المناورات البحرية المشتركة، وإغلاق الأرض والجو التركيين على إيران. ويبقى الشعور الأكبر لدى الأتراك – ولدى كثير من اللاعبين الإقليميين أن مفتاح ود واشنطن يوجد في تل أبيب وأن إسرائيل كفيلة بتجميد أنشطة الجالية الأرمينية والجالية اليونانية في الولايات المتحدة، وهما مصدر صداع سياسي عنيف. ولا ننسى وقوف يهود أمريكا وراء تركيا أكثر من مرة في الكونجرس.
كما أن إسرائيل ترى في تحالفها مع الأتراك إعلانا بغض نظرها عن الدين فهاهي تتحالف مع دولة مسلمة مهمة في المنطقة، وتحرص إسرائيل على أن توهم الجميع بأن علاقاتها بتركيا أمر واقع ومؤثر في المنطقة خاصة وأنهما الطرفان اللذان يحرصان على تسمية المنطقة بالشرق الأوسط لدحض اسم العالم العربي. ويؤرق إسرائيل أن احتياج تركيا إليها أقل من احتياج إسرائيل لها مما يشير إلى اتجاه تركي لتجميد أو تبرير العلاقة إذا ساءت أو حتى قد يعتريها الفتور. ولكن المؤشرات تفيد بأن منطقة لها توتر منطقة الشرق الأوسط لن تزول العداواتها بسهولة فالعرب لا يثقون في إسرائيل ولن يثقوا والأتراك لا يثقون في العرب ولا حتى في اليهود، ولكن تركيا الجديدة تريد أن تلعب دورا جديدا في ثوب أجمل لتهرب من إرث الأرمن واليونانيين والرفض الأوروبي بين فينة وأخرى والثأر البلقاني والقوقازي والرابطة التركية مع آسيا الوسطى. إنها تركيا "الطلة" الجديدة New look.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي