قصتي مع ابن هارون الرشيد
بعد طلوع الروح وحب الخشوم والنفاق والتذلل والتعطف وبعد أن وسطت أحد الإخوة بسكرتارية نادي الاتحاد من إحدى الدول العربية الشقيقة حصلت منذ 17 عاما على تأشيرة سائق من شرق آسيا، وبعد انتظار وترقب رن جرس التلفون في مكتبي وكان المتحدث الوسيط الذي تكفل باستقدام السائق يبشرني في مكالمته بموعد وصول الطائرة التي تقل السائق الجديد فعمت الفرحة أرجاء منزلنا بعد ولادة عسيرة لتأشيرة السائق، وطلبت منه إعطائي اسم السائق حتى أتمكن من رفع راية بيضاء باسمه عندما أكون في استقباله في المطار فقال لي أن اسمه (بابول هارون الرشيد) فتوجست خيفة من ذلك الوسيط وقلت في نفسي هل من المعقول أن مكاتب الاستقدام قائمة من أيام الدولة العباسية فعلى قدر علمي أن أبناء هارون الرشيد كانا المأمون والأمين وبدأت أتساءل هل هذا فعلا تشابه أسماء ؟ فأقنعت نفسي بفكرة تشابه الأسماء وتشابه الوظيفة أيضا فكلاهما قائد فهذا قائد سيارة، وذلك قائد دولة، وفور أن حطت الطائرة أرض المطار أسرعت برفع الراية البيضاء فإذا بي بالسائق الجديد شابا يافعا متحمسا ولا يوجد على رأسه ريشة فأخذت منه جواز السفر أقلبه على عجل لأتحقق من صحة الاسم فوجدته حقيقة لا خيال، فسألته عن العلاقة بين الاسمين فسرد لي قصة طويلة من قصص ألف ليلة وليلة لم أفهم منها شيئا.
راقبت بابول المسكين فوجدت فيه السائق الأمين الحريص في قيادته المطيع لساعات العمل الطويلة التي يتطلبها هذا النوع من الوظيفة فلم يتسبب في مخالفة أو حادثا طيلة فترة عمله ولله الحمد، ومع مرور الأيام بدأ يظهر عليه التغير بدءا بالسمنة وقلة النشاط والعبوس وأصبح يشتكي من العمل ومن التعب المستمر وزغللة في العيون والشعور بالدوخة فطلبت منه عرض نفسه على طبيب ووصيته بعدم ذكر اسمه كاملا للمستشفى رحمة بي وحتى لا تبالغ المستشفى في كمية وأنواع التحاليل ولا تطول الفاتورة على شخصي الضعيف ليصبح أولها في عاصمة الرشيد وآخرها عندي في جدة غير، وجاءت النتيجة أن صاحبنا أصيب بداء السكري ولا بد أن يخضع لحمية ومتابعة.
فجلست يوما أسأله عن أسباب إصابته بمرض السكر رغم كونه شابا كما عهدته فقال لي ردا بليغا ألجمني بلكنته الشرق آسيوية (أبويا في السعودية أكل كل يوم رز ولحم رز ولحم رز ولحم, مشاوير كله بسيارة مكيف على طول شغل، ما في مشي ما في حركة ما في شمس، طريق سيارات كله مشاكل خوف من صدمة خوف من سرعة عالية ، أنا أم حقي وأبو حقي قوي كتير مني لأنه فيه حركة في مشي في شغل في شمس).
فقلت له والله قد صدقت يا بن هارون الرشيد كأنك طبيب حاذق شخص في كلمات أمراض مجتمعنا المستعصية، فالرجال والنساء والأطفال السعوديون يتجهون بسرعة الصاروخ نحو البدانة وهشاشة العظام وارتفاع الضغط والسكري والجلطات القلبية والدماغية، فنحن مجتمع غني، ولكنه كسيح وهشاش لعظام المواطنين والوافدين, مجتمع لا يعرف للرياضة طريقا إلا من خلال التلفزيون ومن خلال أفواه ليات الشيش والمعسلات وبناتنا وأبناؤنا لا يوجد ما يقوي عظامهم إلا وجبات الهمبرجر والبيتزا، أمي وأخواتي مصابات بهشاشة العظام، وكذلك بنات عمي وبنات خالاتي وأمهات وأخوات أصدقائي وجيراني، والله يستر على أم الأولاد والأولاد
هشاشة العظام أو ترقق العظام يا سادة يا سكر زيادة قد يبدأ في التراكم عند العشرين من العمر، وله أسباب عديدة من أهمها ممارسة التدخين وعدم ممارسة الرياضة، وقد أظهرت الدراسات أن هذا المرض أكثر انتشارا بين النساء السعوديات، حيث إن 60 في المائة منهم أصيبوا أو عرضة للإصابة به إضافة إلى أن السعوديات، هن أكثر نساء العالم بدانة حسب ما لدينا من معلومات أرجو أن (لا تكون صحيحة).
إن النظام الغذائي السيئ وقلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة وارتفاع نسبة المدخنات وعدم التعرض للشمس لعبوا دورا رئيسا في تفاقم المرض بين السعوديات، ولقد استمعت في أحد جلسات لجان التطوير الرياضي والشبابي في السعودية (رحمها الله) إلى أحد المتخصصين يتحدث عن أثر غياب النشاط الرياضي على الجنسين في السعودية، وأذكر أن مما قاله أن المرأة السعودية هي أقل نساء العالم قدرة على التقاط الأشياء الطائرة مثل التقاط كرة أو ما شابهه نظرا لغياب النشاط الحركي لديها.
دعونا يا كرام نكون صادقين مع أنفسنا ونضع علامة استفهام كبيرة لنسأل من هو المسؤول عن تردي صحة أبنائنا وبناتنا؟ من منع النشاط الرياضي من أن يصل إلى أبنائنا وبناتنا في مدارسهم وكلياتهم ومعاهدهم؟ من وماذا يمنع أن تكون لنا منشأة رياضية في كل زاوية وفي كل حارة من مدننا وقرانا؟ لماذا نحن أكثر دول العالم فقرا رياضيا وأكثرها دخلا نقديا؟ لماذا نحن أكثر دول العالم رفاهية وأكثر هشاشة للعظام، حكمة قالها سائق وافد في جملة واحدة لا توجد رياضة لا يوجد تخطيط ولنأخذ الحكمة من أفواه السائقين فنحن مهملون حتى درجة الجنون.
والله المستعان.