من المنتظر أن تسهم السعودية في إعادة تعريف الإطار العالمي للتمويل التنموي، في ظل عدم مناسبة نموذج المساعدات الرسمية للتنمية المعتمد منذ ستينيات القرن الماضي للاقتصادات الصاعدة، وفق ما ذكره لـ"الاقتصادية" ريمي ريو، الرئيس التنفيذي للوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) ورئيس حركة التمويل المشترك.
ريو قال أن الإطار التقليدي، الذي وضع عام 1960، لم يعد يعكس واقع دول مثل السعودية، بينما ما زال العالم يفتقر إلى إطار موحد للتمويل، مؤكدا أن فرنسا ستعمل خلال رئاستها لمجموعة السبع العام المقبل 2026 على الدفع نحو إعادة تعريف هذا النظام.
وشدد على أن دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، سيكون لها صوت مؤثر في صياغة الإطار الجديد، استنادا إلى ما حققته من تقدم اقتصادي وتنموي متسارع.
السعودية نموذج عالمي للتمويل التنموي
يوضح ريو أن التحولات الاقتصادية التي تقودها السعودية تعد من الأسرع عالميا، فضلا عن إسهامها في إعادة رسم مشهد التمويل التنموي إقليميا ودوليا، مغيرة قواعد عمل البنوك التنموية التي استقرت لعقود.
يشير الرئيس التنفيذي للوكالة الفرنسية للتنمية كذلك إلى أن زيارته للرياض كشفت عن حجم الاقتصاد السعودي وتسارع تنوعه بعيداً عن النفط.
وقال: "تنويع المجتمع والاقتصاد السعودي يتقدم بقوة. وبالنظر إلى حجمها ودورها في سلاسل القيمة العالمية، فإن ما يفيد السعودية ينعكس إيجابا على المنطقة والعالم، خصوصا بصفتها عضوا محوريا في مجموعة العشرين".
شراكات في الهيدروجين الأخضر
رغم أن الوكالة الفرنسية للتنمية لا تعمل داخل السعودية، التزاما بولايتها التي تركز على الدول الأكثر هشاشة، فقد أكد ريو وجود فرص واسعة للتعاون في هذه الأسواق، لا سيما في مجالات الهيدروجين الأخضر والانتقال الطاقي.
وأوضح أن أوروبا تعتمد بشكل متزايد على شراكات أعمق مع السعودية في الهيدروجين الأخضر، مشيرا إلى تجارب الوكالة في المغرب مع مجموعة "OCP" ومشاريعها في خطوط نقل الطاقة، إضافة إلى مشروع مشترك ناجح مع الصندوق السعودي للتنمية في موريتانيا.
وبينما أشار إلى ان المفوضية الأوروبية وألمانيا تعملان على مبادرات مشتركة في هذا المجال، فقد أكد أن الشراكات السعودية الأوروبية ستكون عاملا حاسما في رسم مستقبل سوق الهيدروجين العالمي.
العدالة المناخية وارتفاع المخاطر
يحذر ريو من تسارع وتيرة ارتفاع درجات الحرارة عالميا، مستندا إلى تقارير أممية تشير إلى أن بعض مناطق العالم، بما فيها غرب أوروبا، تواجه معدلات ارتفاع تفوق المتوسط العالمي.
ويرى أن التغير المناخي يمثل حالة طوارئ حقيقية، حيث أن الانتقال الطاقي لا يقتصر على الحلول التقنية، بل يتطلب بعدا اجتماعيا يضمن اقتناع المجتمعات بأن هذا التحول يصب في مصلحتها.
تضخ الوكالة الفرنسية نحو 8 مليارات يورو سنويا في التمويل المناخي، وهو مبلغ يتجاوز حصتها المعلنة، بحسب ريو، الذي أكد استمرار هذا النهج باعتباره أولوية منذ اتفاق باريس.
إصلاح النظام المالي الدولي
فيما يتعلق بالنظام المالي العالمي، يشير ريو إلى أن مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ما زالت تعكس توازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تعبر عن واقع عام 2025، مشددا على أن العالم تغير وإن عددا كبيرا من الدول أصبح أكثر ثراء ويحتاج إلى تمثيل ودور أكبر في النظام متعدد الأطراف.
لفت رئيس الوكالة الفرنسية إلى ضعف تمثيل أفريقيا وضرورة معالجته، وأن التقدم في هذا المسار لا يزال محدودا ضمن مجموعة الـ 20، لكنه عبر عن أمله في تحرك وشيك.
وأشار إلى مبادرة "التمويل المشترك" التي أطلقت قبل 5 سنوات لتمكين مؤسسات التنمية الوطنية، مثل صندوق التنمية الوطني السعودي، من الوصول المباشر إلى الأدوات المالية الدولية، مؤكدا أن السعودية تلعب دورا محوريا في هذا المسار، وأن الصندوق الوطني للتنمية حاسم في تطوير بنية التمويل المشترك عالميا.
هل يتحمل النظام المالي صدمات جديدة؟
في ظل ارتفاع مستويات الديون عالميا، يشدد ريو على الحاجة إلى أدوات أكثر فاعلية لتقليل المخاطر التي تواجه الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، محذرا من اختلالات متزايدة في الأسواق والتدفقات المالية والهجرة.
ويؤكد الرئيس التنفيذي للوكالة الفرنسية للتنمية على ضرورة إطلاق حوار عالمي لمعالجة هذه الاختلالات، مشيرا إلى أن التمويل الدولي يجب أن يؤدي دورا مضادا للدورات الاقتصادية، لحماية الدول النامية من تحمل العبء الأكبر للأزمات.
شراكات سعودية فرنسية تمتد إلى إفريقيا وآسيا
كشف ريو عن مشاريع قائمة بين الوكالة الفرنسية للتنمية ومركز الملك سلمان للإغاثة، إضافة إلى تعاون مشترك مع الصندوق السعودي للتنمية في موريتانيا، وأن لقاءاته في الرياض أسفرت عن تحديد "خط أنابيب قوي" من المشاريع التنموية الجديدة في أفريقيا وآسيا.
وقال: "الوكالة الفرنسية شريك رئيسي للبنك الدولي، وركيزة أساسية ضمن فريق أوروبا، وتقود حركة التمويل المشترك عالميا. والسعودية يمكنها اعتبار الوكالة بوابة للانخراط في بنية تمويل دولية أوسع".
الثقافة والرياضة كرافعة للتنمية
تعمل الوكالة تعمل منذ عقد على دمج الثقافة والرياضة ضمن مشاريع التنمية التقليدية، وتقييماتتها للأداء أظهرت نتائج أفضل عند إدراج هذه القطاعات، بحسب ريو.
وجرى تمويل أكثر من 200 مشروع في هذا المجال، والصناعات الثقافية والرياضية، تمثل نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل قطاع في فرنسا، والتي تعد أدوات فعالة لخلق الوظائف.
تحالف تمويل سعودي فرنسي
ريو أكد على أن فكرة إنشاء تحالف تمويل سعودي فرنسي لدعم الانتقال البيئي والبنية التحتية "مفتوحة تماما" وتخضع لقرارات القيادتين في البلدين.
وقال إن الوكالة الفرنسية، بصفتها جهة عامة، سترحب بمثل هذا التفويض، معتبرا أن ذلك سيعزز التعاون القائم ويمنحه زخما إضافيا في المرحلة المقبلة.




