الثورات الشعبية .. تدمير للاقتصادات الوطنية

من أهم الأركان التي تقوم عليها نظرية الديمقراطية الغربية أن الشعب مصدر السلطات، لذلك أعطت النظرية الغربية للشعوب حق التظاهر والثورة وقلب أنظمة الحكم بالقوة الغاشمة. لكن في الواقع إن إعطاء الشعوب -في المطلق- حق التظاهر وقلب أنظمة الحكم بالقوة الغاشمة، جلب الكثير من الأضرار على اقتصادات هذه الدول، بل الشواهد تؤكد أن الثورات الشعبية من أهم الأسباب المدمرة للاقتصاد الوطني في كل الدول التي اندلعت فيها. ولو لم تقم هذه الثورات لكان حال الاقتصاد في هذه الدول أفضل بكثير مما هي عليه الآن، وعلى سبيل المثال، فإننا إذا رجعنا إلى عدد من الثورات الشعبية في العالم المتقدم ومجموعة أخرى من الثورات الشعبية في دولنا النامية نجد أن الثورات كانت وبالاً على الاقتصاد الوطني في هذه الدول وتلك، فالثورة الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت دمرت الاقتصاد الفرنسي، بل دمرت المجتمع الفرنسي وأدخلته في سلسلة من الثورات الغاشمة والمستمرة لعقود طويلة، وظل الاقتصاد في فرنسا يعاني إفرازات الثورات لعقود طويلة، كذلك فإن الثورة البلشفية في روسيا ظلت تُحَتحت في الاقتصاد الروسي وتتغوّل على معدلاته حتى هدأ الناس واستسلموا للاستقرار والابتعاد عن الثورة والتثوير.
أمّا في عالمنا النامي فإن الثورة التي اندلعت في مصر في عام 1952 تركت اقتصاداً مصرياً متهالكاً مريضاً ينذر بالمزيد من الثورات حتى اندلعت ثورة 25 من يناير 2011 التي زادت الطين بلة ودفعت الاقتصاد المصري نحو المصير المجهول، كذلك تعتبر الثورة الإيرانية الشعبية التي انفجرت في وجه الشاه عام 1979 من أهم الأسباب التي ذهبت بالاقتصاد القومي الإيراني إلى ما هو عليه الآن من تراجع وتدهور، وما زالت الثورة الإيرانية تتنكب الخطى وتجر على الاقتصاد الإيراني المزيد من الخراب والدمار.
وتجتاح دولنا العربية في هذه الأيام -مع الأسف الشديد- سلسلة من الثورات الشعبية التي أجهزت على الاقتصادات اللاهثة في مصر وفي تونس وفي اليمن وفي ليبيا وفي سورية وأدخلتها في متاهات لا تخرج من كعابيلها إلاّ بعد عقود طويلة من الاستقرار والابتعاد عن الثورات. إن من أهم الدعائم التي تقوم عليها الاقتصادات الوطنية الاستقرار السياسي وزيادة الإنتاج، أمّا استخدام الثورات كوسيلة للتغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة معدلات التنمية، فإن الثورات لا لجام لها، ومطالبها لا حدود لها، ولذلك هي معول من معاول تقويض الاقتصاد الوطني وإيقاف عجلة الإنتاج.
إن الغرب حينما أعطى الشعوب حق التظاهر فإنه في الوقت نفسه صبغ التظاهرات بصفة ملازمة وهي ''السلمية''، أي أن الشعوب لها حق التظاهر السلمي، وليس التظاهر في المطلق، كما أن النظرية الغربية لا تهتم بحقوق الشعوب فحسب، بل حفظت للأوطان حقوقها وطلبت من الشعوب تنفيذ واجباتها والمساهمة في كل ما يحقق الاستقرار والعمل الجاد والدؤوب.
وما نراه في المشهد العربي الآن هو انجراف الناس نحو الميادين والشوارع والقيام بالتدمير والتخريب، بل وصل الأمر إلى أن المظاهرات احتكمت للسلاح الذي راح ضحيته عدد غير قليل من الأبرياء.
وهكذا عمت الفوضى في الميادين والشوارع العربية، وحينما تعم الفوضى في الشوارع والميادين العامة، فإن الأصابع الخفية تتسلل بين الصفوف وتقدم المال زاداً لأصحاب النفوس الضعيفة من أجل مزيد من الاشتعال والانفلات الأمني، وهكذا تطورت أحوال الميادين العربية، وأصبحت مصدراً لإشعال فتيل الحروب الأهلية والطائفية.
ويجب أن ندرك أن الشارع العربي واحد، والميدان العربي واحد بدليل أن ما حدث في الشارع التونسي حدث مثله في الشارع اليمني، ثم في الشارع المصري، ثم في الشارع الليبي، ثم في الشارع السوري، وهكذا دواليك.
أقول: إن الشارع العربي واحد، ولا نستبعد أبداً أن نرى ما يحدث في مصر يحدث في بعض العواصم العربية الأخرى التي تتابع شعوبها باهتمام ما يجري في الشوارع والميادين العربية.
إن المطلوب من الحكومات العربية أن تسرع في إصدار التشريعات التي توازن بين حقوق الشعوب وواجباتها تجاه الأوطان.
ولن تستقيم الأوضاع في الشارع العربي والميدان العربي إلاّ إذا صدر تشريع يقاضي كل من يخرج على حدود المظاهرات السلمية، ويجب أن تتحفظ التشريعات الجديدة على قضية حق التظاهر، وتربط التظاهر ''قولاً وتطبيقاً وتنفيذاً'' بالتظاهر السلمي.
الأهم من هذا إصدار الأحكام وإشهارها على الملأ وتنفيذ عقوباتها الرادعة ضد كل الخارجين على القانون حتى ينضبط الشارع العربي، ويعود الاستقرار السياسي إلى كل أرجاء الوطن العربي.
أؤكد أن الاستقرار في الدول العربية لن يعم والاقتصاد لا يمضي قدماً إلاّ إذا تم ضبط الشارع العربي، وتم منع تسلل الدخلاء والجواسيس، ونستطيع القول: إن الشعوب العربية في حالة هياج، وحينما تهيج الشعوب لا تجد أمامها إلاّ ''أنثى'' الثور، أقصد ''الثورة''، وطبعاً الثورة مزمجرة ومدمرة ومعطلة للاقتصاد القومي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي