تحديات التنبؤ بالأزمات الاقتصادية

مر ويمر العالم عبر السنين بأزمات اقتصادية كبيرة جلبت وتجلب أضرارا اقتصادية ومالية كبيرة. الأزمات تخلف ركودا وتؤثر سلبا وبقوة في الأسواق المالية وغير المالية، كما حدث على سبيل المثال إثر الأزمة الاقتصادية في 2008. وكان التنبؤ بحدوث تلك الأزمة صعبا أمامه تحديات، نتيجة عوامل منها طبيعة التطورات من تقنية وغير تقنية يمر بها البشر، المحاطين بالهلع والجزع.

سهلت التطورات التقنية التواصل بين البشر والأسواق بصورة مختلفة. ومن نتائج ذلك مزيد تشابك وترابط بين اقتصادات الدول. طبعا يرغب الإنسان أن ينعكس ذلك على مزيد تحقيق منافع في دنياه واقتصاده. وقد خلقنا الله سبحانه نحب المال حبا جما. لكن التطورات التقنية جلبت في المقابل زيادة تحديات في اكتشاف وتوقع ما يكون عليه المستقبل.

دخل هذا القرن الحادي والعشرين بتوسع وتعمق في مفاهيم من قبيل العولمة وتحدياتها ومحاسنها وعيوبها. وتواجه مؤسسات الدول تحديات تتطلب منها تطوير أساليبها ومناهجها، لمواجهة الأزمات والأحداث والمواقف والمستجدات. ومن أكثر الأسواق تأثرا بالعولمة أسواق المال.

تتفاعل في أسواق المال أدوات من قبيل أسعار العملات والفوائد. ومعروف عبر الوقائع والأحداث وجود صعوبات ومشكلات في قدرة هذه الأسواق على فهم وتوقع الأزمات. وجر ذلك إلى مزيد اهتمام تجاه البحث في المتغيرات المالية والاقتصادية بصورة أعم. جرى مزيد اهتمام من جهات بحثية عالمية تجاه التعرف على نماذج وأدوات إنذار مبكر تساعد على التنبيه بصورة أضبط تجاه وقوع أزمات محتملة. ولكنها جهود لا تخلو من نقص ومشكلات.

من وسائل محاولة التنبؤ البحث عن أعراض مشتركة، أعراض بعضها خارجي كمسار حركة التبادل التجاري بين الدول. لكن في المقابل، تزايد وتعمق اختلالات جلبت مزيدا من الصعوبات. اختلالات من قبيل عجوزات ماليات الدول وتضخيم أسعار العملات وتضارب المصالح في إدارة التدفقات المالية والرأسمالية بين الدول. في المقابل، تحسنت ظروف وعوامل، مثل تكوين محافظ استثمارية.

يبدو لاقتصادات الدول أن هناك مشكلات تتمثل في مظاهر كثيرة، مظاهر مثل مبالغة بعض المستثمرين في مواجهة عوامل يرونها نذير سوء. وهذا ليس غريبا، فقد خُلق الإنسان هلوعا.

تتباين اقتصادات الدول في حساسيتها تجاه ما يجري. ويقترح كثيرون مزيد اهتمام في متابعة البيانات الأساسية عن اقتصادات الدول، من نمو وحركة ميزان مدفوعات وغير ذلك، لكن هذه المتابعة لا تخلو من ضعف وسلبيات.

اهتمام البعض بوضع نظم إنذار مبكر تعتمد على رصد متغيرات عدة، لكن وضع النظم لا يلغي وجود خلافات في الفهم والتفسير لما يجري.

من نظم الإنذار المبكر موضوع مؤشرات حساسية. على سبيل المثال، مؤشرات تعطي دلالة على نجاح في الدفاع عن العملة إذا ما وقعت تحت مضاربات وغيرها. لكن الأمر لا يخلو من صعوبات.

ما مدى كفاءة صناعة نظم إنذارات مبكرة؟

موضع اهتمام فئة من علماء الاقتصاد، عبر بناء نماذج تساعد على فهم الأوضاع والتنبؤ لأزماتها. لكن الكمال لله، فالنماذج مهما بلغت من عمق بها، فهي لا تخلو من خلافات وسوء فهم وضعف. وتبعا، الخلافات قوية في مدى الاستفادة منها. ويعمق من المشكلة وجود عجوزات كبيرة في الحسابات الجارية، وخسائر أو نقص في الاحتياطيات لبعض الدول وعن زيادات قوية بالديون العامة نسبة وحجما لبعض الدول.

يفيد كثيرا عقد مؤتمرات وندوات ذات طبيعة علمية يتناقش فيها أهل العلم والخبرة الأوضاع، ويسعون فيها إلى صقل مهاراتهم وتطوير مستوى أداء العاملين للتنبؤ بالأزمات.

العالم بحاجة إلى مزيد تحسن في التشخيص لبوادر الأزمات، وكيفية التعامل معها. ويساعد على تحقيق ذلك بناء وتطوير مراكز ذات اهتمام عميق بمطالب جودة إدارة الأزمات والكوارث الاقتصادية وغيرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي