في البنية التشريعية والتنظيمية للتجارة الإلكترونية

التجارة الإلكترونية اليوم أصبحت توجها عالميا، فشركات كانت محدودة أصبحت اليوم الأضخم في الأسواق العالمية مثل شركة أمازون وشركة علي بابا وغيرهما من الشركات العالمية، فالعالم اليوم أصبح ينظر للتجارة الإلكترونية بأهمية كبيرة وأنها إحدى الوسائل التي لا يمكن الاستغناء عنها في تنمية التجارة، كما أنه يتوقع أن تكون لازمة لكل متجر في حين أنه بالإمكان وجود متاجر ضخمة في هذا العالم الافتراضي دون وجود متجر له في هذا العالم. التجارة الإلكترونية يمكن أن تفرز لنا احتياجات لم يكن البعض يرى لها أهمية كبيرة في زمن ما، إذ إن تنامي التجارة الإلكترونية يعني أن هناك أدوات يمكن أن تكون بديلة لواقع المتاجر الموجودة في السوق، والمملكة وفي إطار سعيها إلى استقطاب الاستثمارات في هذا المجال وتنمية هذا السوق وتفعيل التقنية في مختلف المجالات ستكون التجارة الإلكترونية توجها للتجارة في المملكة ليس فقط لاستقطاب الاستثمارات، بل لتوفير خدمات مميزة للمواطن في ظل وجود هذه الخدمة متاحة في العالم، كما أنها تسهل على كثير من المواطنين الانخراط في هذه السوق باعتبار أن تكلفتها قد تكون محدودة مقارنة بالمحال التجارية خصوصا مع تنامي الثقة بها في المجتمع وتفضيل البعض لها مقارنة بكثير من المتاجر. في تطور فيما يتعلق بالعناية بالتجارة الإلكترونية في المملكة وافق مجلس الوزراء على تأسيس مجلس للتجارة الإلكترونية، وفي تعليق على القرار قال وزير التجارة والاستثمار كما أوردته صحيفة "الاقتصادية" يوم الثلاثاء الثالث من تموز (يوليو) 2018 "إن موافقة مجلس الوزراء اليوم على تشكيل مجلس التجارة الإلكترونية يسهم في عملية نمو وتعزيز منظومة أعمال التجارة الإلكترونية التي تعد أحد الأهداف الاستراتيجية لبرنامج التحول الوطني 2020 الداعمة لتحقيق "رؤية المملكة 2030" من خلال إيجاد بيئة جاذبة، ومحفزة للمستثمرين، مؤكدا أن المجلس يسهم في تطوير القطاع ورفع مستوى تنسيق الجهود المتعلقة بالتجارة الإلكترونية بين جميع الجهات ذات العلاقة، كما يواكب تطورات سوق التجارة الإلكترونية واقتراح السياسات والتشريعات الخاصة بتحسين البنية التحتية بالتنسيق مع الجهات الحكومية، والإشراف على مبادرة برنامج تحفيز التجارة الإلكترونية والتحقق من تنفيذ جميع المبادرات لدى الجهات الحكومية ذات العلاقة". التجارة الإلكترونية بطبيعتها مختلفة في بعض جوانبها عن التجارة التقليدية وهي اليوم واقع وتتوسع بشكل كبير يمكن أن يغير تماما في واقع التجارة مستقبلا، وبالتالي فالمبادرة في هذا الاتجاه يمكن أن يعزز من مكانة المملكة كمركز إقليمي في هذا المجال، ويبدأ الأمر من تطوير البنية التشريعية والتنظيمية للتجارة الإلكترونية في المملكة يعد الجزء الأصعب والأهم باعتبار أن هذا العنصر هو أحد أهم أسباب جذب الاستثمارات في هذا المجال وتشجيع رواد الأعمال من الشباب للانخراط فيه. التطور الكبير الذي يشهده المجتمع علما وفكرا وثقافة وسلوكا جعل منه يقبل بشغف على الأدوات التقنية في مختلف المجالات ما جعل كثيرا من الخدمات حتى الحكومية منها لا تقدم إلا من خلال الوسائل التقنية وهذا يعكس واقع المجتمع الذي ينتظر بشغف وجود أكبر للمتاجر الإلكترونية، كما أن التجارة الإلكترونية تتسق تماما مع التوجه العام في "رؤية المملكة 2030" والفرص الاستثمارية والوظيفية النوعية التي يتطلع لها المجتمع، إذ إن الوظائف التقنية تعد ذات دخل أعلى وهذا ما يتطلع إليه المواطن والمواطنة في المملكة. تطوير البنية التشريعية والتنظيمية يتطلب مجموعة من الإجراءات التي تتطلب حدا أدنى من الالتزام والوضوح والشفافية العالية من قبل التاجر، والضمانات لكل من الطرفين، إضافة إلى تطوير الخدمات الحكومية التي تقدم من خلال التقنية التي قطعت وزارة التجارة والاستثمار فيها شوطا كبيرا لكن من المهم أن يكون لجهات التقاضي عناية بها من خلال تفعيل التقاضي بوسائل التقنية لأن أغلب النزاعات الخاصة بالتجارة الإلكترونية لن تكون في بلد المدعي باعتبار أن مقر المدعى عليه مختلف غالبا، وبالتالي يمكن أن يكون لهذه التعاملات ميزة في التقاضي عبر الشبكة الإلكترونية. من الأهمية بمكان العناية بجانب وعي المستهلك خصوصا، ولا يكون ذلك من خلال التعليق على حالات معينة بل من خلال دليل شامل لتوعية العميل من خلال تجارب الدول في العالم، ورصد لجميع الحالات التي تأذى منها المستهلك في المملكة، كما أنه من المهم تسهيل جانب استخراج الرخص الخاصة بالتجارة الإلكترونية وفي المقابل ألا يكون هناك تنازل عن المعايير التي تتطلبها سلامة السلع والخدمات، فالشروط اللازمة لخدمات تقديم الأطعمة مثلا ينبغي ألا تكون أقل من الشروط الخاصة بالمحال التقليدية. فالخلاصة أن إنشاء مجلس للتجارة الإلكترونية بهدف بناء البنية التشريعية والتنظيمية وتقديم الحوافز والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية يعد خطوة متقدة في هذا المجال يمكن أن تجعل من السوق في المملكة محققة لخطوات متقدمة في هذا المجال، ويتطلب ذلك عناية بنشر الوعي وإجراءات التقاضي ووضع المعايير التي تحفظ حقوق المتعاملين وسلامة السلع والخدمات المتداولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي