لماذا ينخفض سعر السهم بعد التوزيعات؟

حتى منتصف شهر أبريل الجاري هناك 69 شركة نفذت توزيعات نقدية على المساهمين خلال 2024، بمتوسط 0.89 ريال لكل سهم، وكان أعلى توزيع بقيمة 6 ريالات لكل سهم، والمشاهد دائما هو انخفاض سعر السهم بعد التوزيعات، والتبرير البسيط لهذا هو انتهاء الخبر الذي حفز الأسعار قبل التوزيعات، وكما يقال عادة "المضاربون يشترون على الإشاعة ويبيعون عند الخبر"، وهذا الرأي له قبول واسع، لكن العلاقات الاقتصادية أعقد من مجرد خبر. هناك تبرير آخر ذو بعد محاسبي يقول إن المساهمين قد حصلوا على النقد الخارج من الشركة، وبذلك انخفضت أصولها، فلا بد أن ينخفض سعر السهم ليعكس حقيقة الأصول الجديدة، وهذا مقبول جدا، لكنه لا يفسر حقائق السوق، فالمشاهد هو انخفاض السعر بأكثر من قيمة التوزيعات، فالشركة التي وزعت ستة ريالات انخفض سعر سهمها بأكثر من عشرة ريالات لاحقا، وفي بعض الدراسات سجل الانخفاض أكثر من 77 %، وهذا يمثل ضررا أكبر من منفعة الأرباح الموزعة، فلماذا يحدث ذلك؟ خاصة في دولة لا تفرض ضرائب على أرباح الأسهم أو الأرباح الرأسمالية، كما هي الحال في عديد من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية. هنا حقائق اقتصادية لا بد من إدراكها، فالمساهم الذي تحصل على توزيعات بستة ريالات وانخفض سعر السهم بما يعادل هذه القيمة لم تتغير قيمة ثروته، فلديه من النقد ما يعادل الانخفاض في سعر السهم بعد التوزيعات، بهذا يبدو الأمر عقلانيا جدا، لكن عندما ينخفض السهم بأكثر من ستة ريالات، فإن السوق تعاقب مساهمي الشركة التي قامت بالتوزيعات، فلماذا يحدث ذلك؟ اقتصاديا، فإن الشركة التي قامت بالتوزيعات النقدية تخسر النقد المتوافر لديها، وبذلك تفقد قدرتها على استثماره وتعظيم العوائد، لذلك – وبشكل عقلاني – فإن السوق تقيم قدرة الشركة على الاستمرار عند نفس المستويات من التوزيعات في المستقبل، فتنخفض أسعار الأسهم بأكثر من قيمة التوزيعات، لكن هذا صحيح تماما بشرط ألا تواجه الشركات التي توزع الأرباح على شكل أسهم نفس المصير، لكن عند تتبع حالة هذه الشركات التي قامت بزيادة رأس المال عن طريق منح الأسهم نجدها واجهت نفس المصير، وفقد السهم من قيمته ما يزيد على قيمة المنحة، وهنا لا تجد فرضية انخفاض القوة الاستثمارية للأصول قدرتها على تفسير ذلك الانخفاض في سعر السهم، رغم أن أصول الشركة وقدرتها الاستثمارية لم تتأثرا. ويبقى السؤال عن التفسير العقلاني لمثل هذا السلوك في أسعار الأسهم، ومن المهم إدراك أن هذا منتشر في جميع الأسواق المالية وليس في السوق السعودية فقط، فهذه الظاهرة مسجلة في عديد من الأسواق العالمية، ويصعب قبول تفسيرات مثل كفاءة السوق لهذا السبب أيضا، فهل هذا اللغز بلا حل؟ هناك دراسات ترشح أمرين معا هما سبب الظاهرة، الأول هو ارتفاع تكلفة العمليات، وهو الرسوم المطلوبة لتنفيذ عمليات البيع والشراء، وتكلفة العمولات، والأمر الثاني هو انخفاض السيولة في السوق، إذا تزامن الأمران معا في سوق واحدة ومع ضعف كفاءة السوق عموما فإن هذه الظاهرة تزداد تأثيرا، حتى قد تصعب العودة إلى السعر العادل للسهم (وهو الذي يعادل سعر السهم قبل التوزيعات ناقصا قيمة التوزيعات)، وقد يستغرق الأمر مدة من الزمن، وإذا كانت التوزيعات غير منتظمة وكانت الشركة تعاني مشكلات في الحوكمة فإن معاناة سعر السهم تتضاعف، وفي نظري أن الأمر يتطلب مزيدا من الدراسات العميقة، خاصة من طلاب الدراسات العليا. فإذا ثبت أن تكلفة العمليات هي السبب فلا بد أن تتخذ الهيئة قرارات مهمة في ذلك، وإذا تبين أن الحوكمة هي السبب، فلا بد من فهم أبعاد المشكلة ومعالجتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي