Author

هل استفاد الاقتصاد الياباني من الفائدة السالبة ؟

|
خبيرة اقتصادية

في خطوة انتظرتها الأسواق منذ شهور، أعلن بنك اليابان خلال اجتماع مارس رفع معدل الفائدة لأول مرة منذ 17 عاما لينهي بذلك عصر الفائدة السلبية، وعلى الرغم من أن البنك المركزي حافظ على الفائدة عند مستويات صفرية فإن التوقعات تشير باستمرار رفع معدلات الفائدة في الأشهر المقبلة.

ولكن كيف انعكست الفائدة السلبية على الاقتصاد الياباني؟ فبعد سنوات من التيسير النقدي وتوافر الأموال المنعدمة التكلفة فمن المفترض أن ينعكس ذلك إيجابا على مؤشرات النمو الاقتصادي والصادرات وغيرها، حيث تؤدي الفائدة السلبية إلى تشجيع الأفراد والمؤسسات على الاقتراض دون تحمل أي أعباء الأمر الذي يدعم مستويات الطلب والإنفاق والاستهلاك بالنسبة إلى الأفراد، ويدعم التوسع والإنتاجية والتصدير بالنسبة إلى الشركات، وهو ما يترجم بشكل أساسي في تحقيق نمو اقتصادي قوي.

ولكن الإجابة في اليابان كانت لا، لم يستفد الاقتصاد من تلك الميزة القوية التي كانت غير متوفرة في الاقتصادات المنافسة سواء في الولايات المتحدة وأوروبا أو في الصين، فعلى مستوى النمو الاقتصادي، فقد سجل نموا متباطئا خلال سنوات التيسير النقدي، بل أنه حقق نموا سلبيا خلال أربعة أعوام هي 2008، 2009، 2019، 2020، فيما سجل أعلى معدل نمو له بنحو 4.1 % خلال 2010. الانكماش الاقتصادي الكبير دفع الاقتصاد الياباني للتخلي في 2023 عن مكانته كثالث أكبر اقتصاد في العالم لصالح ألمانيا وتراجع إلى المرتبة الرابعة.

التراجع في النمو الاقتصادي كان متأثرا بشكل أساسي بانكماش مستويات الطلب المحلي والناتجة عن تراجع معدلات الإنفاق والاستهلاك، وهو ما ظهر جليا في معدلات التضخم التي سجلت مستويات ضئيلة وفي بعض الحالات سلبية خلال فترة التيسير النقدي.

للتوضيح فإن تباطؤ التضخم في حالة اليابان هو مؤشر سلبي، حيث إنه ناتج بشكل أساسي عن تراجع الطلب وليس زيادة المعروض وهو مؤشر سلبي للاقتصاد لأنه يضر بالاستهلاك الذي يشكل النسبة الكبرى من حجم الاقتصاد.

ووفقا للقواعد الاقتصادية فإن خفض مستويات الفائدة وما ينتجه من تراجع في قيمة العملة يعطي ميزة تنافسية لصادرات الدولة نظرا لانخفاض أسعارها خارجيا مقارنة بالدول الأخرى، الأمر الذي يسهم في زيادة حجم الصادرات، ولكن في حالة اليابان لم تسهم تلك السياسة في دعم الصادرات، فقد انخفضت صادرات اليابان من نحو 823 مليار دولار في 2011 لتصل بنهاية عام 2023 إلى نحو 718 مليار دولار بمعدل انخفاض وصل إلى أكثر من 13 % خلال تلك الفترة، وقد كان التراجع في حجم الصادرات متأثرا بشكل أساسي بتراجع مستويات الإنتاج التي عانت منه مختلف القطاعات بسبب عوامل عدة أهمها نقص الأيدي العاملة بسبب ارتفاع مستويات شيخوخة السكان.

كما كان لسياسة التيسير النقدي أثار كارثية على قيمة الين، حيث فقد الين نحو 26 % من قيمته مقابل الدولار في الفترة بين يناير 2007 ومارس 2024، الانهيار في قيمة الين كان مدفوعا بشكل أساسي بتخارج رؤوس الأموال من أدوات الدين اليابانية المقومة بالين الأمر الذي يضغط على الين في أسواق العملات العالمية بسبب الضغوط البيعية الكبيرة، وقد زاد الضغط في العاميين الأخيرين مع اتجاه البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا لرفع الفائدة، وهو ما دفع المستثمرون والصناديق العالمية للتخلي عن سنداتهم المقومة بالين وشراء السندات الأمريكية أو الأوروبية بهدف تحقيق عوائد أعلى، وقد دفعت عملية التخارج الكبيرة بنك اليابان للتدخل في الأسواق لشراء السندات الحكومية والدفاع عن الين، الأمر الذي أدى إلى تراجع الاحتياطي الأجنبي في اليابان من نحو 1.42 تريليون دولار في أغسطس 2021 إلى نحو 1.28 تريليون دولار في فبراير 2024.

الفائدة السلبية أيضا دفعت اليابانيين أنفسهم إلى الخروج من السوق المحلية بسبب انعدام العوائد على المدخرات في البنوك أو السندات الحكومية، وقد كانت السوق الأمريكية الأكثر تفضيلا للمستثمرين اليابانيين لضخ أموالهم، في يناير 2023 وصل حجم حيازات اليابان من سندات الخزانة الأمريكية إلى نحو 1.1 تريليون دولار، أو ما يعادل نحو 15 % من إجمالي حجم السندات، بجانب الاستثمارات الأخرى في مختلف الأسواق مثل أوروبا.

وختاما فإن تجربة اليابان مع الفائدة السلبية تكشف لنا أنها ليست بالضرورة ذات فائدة للاقتصاد، حيث من الممكن أن تتحول إلى داء اقتصادي يصعب معالجته ويؤدي إلى تدهور كبير في البنية الاقتصادية للدولة، ونستطيع استخلاص مجموعة من التوصيات من التجربة اليابانية أهمها ضرورة وضع الدول مستهدفا للنمو والتضخم يساعد الاقتصاد على تجنب التضخم المفرط مع التأكد من عدم الانزلاق في فخ الانكماش، بجانب ضرورة البحث عن حلول مبتكرة لمعالجة مشكلات الطلب والاستهلاك والنمو بعيدا عن السياسة النقدية.

إنشرها