المقابل المالي على المرافقين أم استثمارات طويلة الأجل ؟

تتم الآن دراسة إعادة النظر في فرض المقابل المالي على المرافقين، خصوصا أن السعودية تسعى إلى البحث عن استقطاب الكفاءات المنتجة للاقتصاد المحلي، من حديث محمد الجدعان وزير المالية عن إمكانية إلغاء رسوم المرافقين. كجزء من خطة الإصلاح المالي التي أطلقتها وزارة المالية السعودية بهدف تنويع الإيرادات غير النفطية، تم الإعلان في 2017 عن فرض رسوم المرافقين على العمالة الوافدة، بواقع 100 ريال شهريا على كل مرافق ترتفع سنويا لتصل في عام 2020 إلى 400 ريال شهريا أو ما يعادل 4800 ريال سنويا، وقد كان حجم الدعم المقدم للمرافقين على مختلف الخدمات مثل الكهرباء والوقود والمياه والأمن والطرق والرعاية الصحية واحدا من أهم دوافع السعودية لفرض الرسوم. وقد أسهمت تلك السياسة بجانب الإجراءات الأخرى مثل فرض ضريبة القيمة المضافة في 2018 بنسبة 5 % ثم رفعها لتصل إلى 15 % في 2020 في دعم الإيرادات غير النفطية للسعودية، التي ارتفعت من نحو 256 مليار ريال في 2017 لتصل بنهاية عام 2023 إلى نحو 458 مليار ريال، بمعدل نمو إجمالي وصل إلى 79 % في الفترة بين 2017 - 2023. وعلى الرغم من العوائد التي جنتها السعودية من السياسة والتي انعكست في دعم الإيرادات غير النفطية، إلا أنها خلفت آثارا غير مرغوبة في الاقتصاد، حيث أسهم فرض الرسوم في قيام جزء من العاملين في السعودية بإلغاء إقامة مرافقيهم وفقدان الاقتصاد السعودي قوة استهلاكية كبيرة تمثلت في المرافقين، الأمر الذي يشكل ضغطا على النشاط الاقتصادي، إضافة إلى نقل أموال إعالة المرافقين من الداخل إلى الخارج، وبالتالي فقدان جزء من المدخرات التي تنفق داخل الاقتصاد السعودي وتستفيد منها مختلف القطاعات. ونظرا للتطور الكبير الذي تشهده السعودية في مسار التحول إلى مركز إقليمي لجذب الكفاءت والمواهب العالمية في مختلف المجالات، وبالتوازي مع الوضع المالي القوي الذي أصبحت عليه السعودية نتيجة للنمو الكبير الذي تشهده الأنشطة غير النفطية، فإن إعادة النظر في فرض المقابل المالي على المرافقين أصبحت مناسبة، وذلك نظرا لارتباط المواهب بعائلاتهم وحاجاتهم الكبيرة إلى الاستقرار داخل الدولة التي يرغبون في الانتقال إليها، وبالتالي قد تشكل الرسوم على المرافقين حاجزا أمام سياسة السعودية لجذب المواهب العالمية، كما أن الرسوم قد تكون عقبة وإن كانت ضئيلة لجذب الاستثمار الأجنبي للسعودية، سواء للشركات التي تنقل مقارها الإقليمية للرياض، والتي تستعين بكفاءت من الخارج، أو للاستثمار الأجنبي المباشر الراغب في نقل إنتاجه ونشاطه للسعودية. ولتحقيق أفضل استفادة مالية واقتصادية من مرافقي العمالة الوافدة، يمكن للسعودية تبني عديدا من السياسات التي تسهم في استمرار تنمية الإيرادات غير النفطية لكن بطرق غير مباشرة، فعن طريق إلغاء الرسوم وتشجيع الوافدين على استقدام ذويهم سينعكس ذلك على كل القطاعات عبر زيادة الطلب على مختلف الخدمات، بداية من قطاع الطيران وصولا إلى قطاع الإسكان. انتعاش تلك القطاعات سيسهم بشكل رئيس في تنمية إيرادات الضرائب الحكومية وبالتالي الحفاظ على مستويات الإيرادات ونموها المستمر. كما قد يكون من المناسب تقديم الخدمات الأساسية للوافدين بأسعار لا تشملها الإعانات المفروضة للمواطنين. واحدة من أهم وسائل تعويض رسوم المرافقين في حال إلغائها، هي تشجيع العاملين على استثمار مدخراتهم داخل الاقتصاد السعودي وعدم الاقتصار على الإنفاق الشخصي فقط، فوفقا لبيانات البنك المركزي السعودي بلغت تحويلات العاملين في السعودية خلال 2023 نحو 37.8 مليار دولار، ويمكن - عبر توفير مجموعة من الحوافز للعاملين في السعودية منها إلغاء الرسوم على المرافقين للعامل الذي يقوم باستثمار نسبة من أمواله داخل السعودية - خفض حجم التحويلات واستثمارها داخليا بما يسهم في دعم الأنشطة الاقتصادية، وتتطلب تلك السياسة تنسيقا كبيرا بين مختلف الجهات في السعودية، بهدف توفير محافظ استثمارية مناسبة تكون مخصصة للعاملين من الخارج في مختلف القطاعات، وعبر أدوات مختلفة مثل إنشاء الصناديق وتسهيل الاستثمار في أسواق الأسهم وغيرها من طرق الاستثمار الأخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي