دور الابتكار في تحقيق مستقبل مستدام

تعد الاستدامة هدفا مهما يسعى العالم إليه في ظل التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، وفي هذا السياق، تحدثت في مقال سابق عن أن الابتكار يعد قاطرة التنمية المستدامة وهو يؤدي دورا حاسما في تحقيقها على المدى الطويل من خلال تطوير حلول جديدة ومبتكرة وفعالة لذلك، ولعلي في هذا المقال، أبحر لتوضيح هذا الدور في تحقيق التوازن المأمول لبناء مستقبل مستدام اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا من خلال استعراض بعض الأمثلة الدولية والتجارب الناجحة في ذلك.

تعد إستراتيجية الابتكار والاستدامة جزءا أساسيا من التخطيط الحضاري وتطوير البنية التحتية، ولذا نجد أن عديدا من الدول حول العالم أصبحت تعتمد على كثير من التقنيات الابتكارية النوعية للإسهام في تحقيق الاستدامة فيها، على سبيل المثال، في ألمانيا، هناك دعم قوي لاستخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لتوليد الكهرباء بطرق صديقة للبيئة ومستدامة، ما أدى إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية بشكل كبير، وفي السويد، تم تطوير نظام تسخين محلي يستفيد من الطاقة الناتجة عن حرق النفايات حيث يتم توجيه هذه الطاقة لتسخين المنازل وتوفير الطاقة بشكل فعال، ما قلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وفي سنغافورة، تم تبني تكنولوجيا النقل العام النظيف مثل الحافلات الكهربائية والقطارات الكهربائية التي تعمل بشكل كامل على الطاقة الكهربائية، ما ساعد على انخفاض نسب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحسين جودة الهواء في المدن، وفي مدينة كوبنهاجن، في الدنمارك، تبنت نهجا شاملا يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والسياسات البيئية والاجتماعية المبتكرة لتحقيق الاستدامة في جوانب الحياة الحضرية المختلفة جعل منها من الأوائل في السعي لتحقيق هدف الصفر من النفايات من خلال تشجيع إعادة التدوير وتطبيق أساليب متقدمة لمعالجتها، لكونها تضم عديدا من المساحات الخضراء والحدائق العامة، ما يعمل على تحسين جودة الهواء وتوفير بيئة مريحة وصحية للسكان، أضف إلى ذلك أوجدوا ممرات للمشاة ومسارات لركوب الدراجات، ما يعزز نمط حياة صحي ونشط، وهناك تعاون وثيق بين الحكومة المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني في ذلك. وبحكم خبرتي السابقة في أستراليا، تعد مدينة سدني من المدن الرائدة في تبني الابتكارات النوعية لتحقيق الاستدامة على جميع المستويات لكونها تتميز بالتنوع البيئي والثقافي، وهي تعد واحدة من كبرى المدن الساحلية في العالم، فهي تعمل على تطوير بنيتها التحتية الخضراء بزراعة الكم الكبير من الأشجار وإنشاء عديد من الحدائق العامة لتحسين جودة الهواء وتقليل التأثير الحراري، وإنشاء عديد من الشبكات المتنوعة للنقل العام النظيف، وتسعى إلى تحقيق الاستدامة في إدارة المياه من خلال تطبيقها لتقنيات ابتكارية لمعالجة وإعادة تدوير مياه الأمطار، وهناك كثير من الأمثلة في هذا الشأن لا يتسع المقال لسردها.

وفي السعودية هناك كثير من المبادرات التي تعتمد على توظيف الابتكارات النوعية لتحقيق وتعزيز الاستدامة في الجوانب الحياتية المختلفة، وكذلك عديد من الاستثمارات في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك محطات الطاقة الشمسية الكبيرة، التي تسهم في توليد الكهرباء بطرق نظيفة وصديقة للبيئة، وتعزيز وسائل النقل العامة وتطوير المشاريع الحضارية الخضراء وتشجيع البناء الذكي والاستدامة في استخدام الموارد وتطبيق أساليب حديثة لإدارة النفايات، بما في ذلك تعزيز إعادة التدوير وتطبيق التقنيات الحديثة لمعالجة النفايات الصلبة، وغيرها من المشاريع، وأرى عموما أن نجاح المبادرات الاستثمارية في تحقيق الاستدامة بأنماطها المختلفة، يرتكز وبشكل أساسي على تحقيق منظومة الابتكار وأن التعاون في ذلك بين جميع القطاعات العامة والخاصة والمجتمع، سيسهم في بناء مستقبل مشرق ومستدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي