المباني تدمر خلاياك!

مع التقدم الحضاري اختلف شكل المباني والطرقات وتخطيط المدن، فتحولت الحياة إلى جدران من الأسمنت وطرق مستقيمة خالية من المتعة، فهذا جل اهتمام المهندسين المعماريين الذين اهتموا بالتصاميم العملية، التي تسهل الحياة ووضعوا في الحسبان الراحة والمتعة والرفاهية وعدة أمور أخرى ليس من ضمنها مدى تأثير تصاميم المدن والمباني والطرقات في سلوكيات الفرد وصحته النفسية!

نتساءل دائما، ما الذي غير طبعنا فقد كنا وكان آباؤنا في السابق أكثر هدوءا وسعادة وأقل قلقا وتوترا؟!
لقد كانت العناصر التي تستخدم في البناء مواد طبيعية مثل الخشب والحجر والطين، والتصاميم المعمارية مستوحاة من الطبيعة نفسها ومن النباتات والحيوانات. فالبشر ينجذبون للتكوينات الطبيعية، وتعمل المياه والخضرة على خفض التوتر والإجهاد لدى البشر. وحديثا طغت المنشآت الأسمنتية على كل مدن العالم وغابت العناصر الطبيعية، وتحولت المدن إلى علب أسمنتية مغلقة وأبنية متلاصقة ومبان تمتد طولا لتحجب ضوء الشمس. وكانت النتيجة ما نعانيه اليوم. إجهاد نفسي وعصبـي نتيجـة الازدحـام الذي بات من أبرز المشكلات التي تواجهها المدن الحضرية.
واليوم يوجد علم جديد من علوم فن العمارة المعروف باسم "العمارة العصبية أو المتعلقة بعلم الأعصاب"، الذي يهدف إلى إيجاد بيئات مبنية يمكن من خلالها تحسين سلوك وصحة ورفاهية البشر، حيث يتقاطع فيه علم الأعصاب وعلم النفس وفن العمارة. يقوم فيه المختصون بجمع البيانات التي تقيس تأثير البيئات المبنية في فسيولوجية البشر الذين يعيشون في محيطها، من خلال قياس معدل ضربات القلب، ونشاط الدماغ باستخدام التخطيط الكهربائي والتصوير بواسطة الرنين المغناطيسي الوظيفي، ما مكنهم من معرفة مدى استجابة وتفاعل الإنسان مع البيئات المبنية!
ووجدوا أن الناس يتأثرون بشدة بواجهات الأبنية من حولهم. فإذا كانت الواجهة معقدة ومزخرفة ومثيرة للاهتمام فهي تؤثر في الأشخاص بطريقة إيجابية، وعكس ذلك إذا كانت بسيطة ومملة.
كما أكدت النتائج أن الأشخاص يفضلون المساحات المعمارية التي تجمع بين التوازن والغموض، وبين التناسق والتعقيد. وقد عزا الباحثون ذلك إلى التعقيد المنظم لأدمغة البشر وأجسامهم، وكذلك بيولوجية الخلايا في مختلف أنحاء الجسم، ما يدفع البشر إلى تفضيل ما يتماشى مع تركيبتهم البيولوجية. فعلى الرغم أنه من السهل التنقل في المخططات المدنية المنظمة إلا أن الأشخاص يفضلون الشوارع المتعرجة التي تغيب عن نظرهم في نقاط محددة فتثير فضولهم وتشبعه في الوقت نفسه!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي