التقلبات النفطية ودور السعودية الإيجابي

التقلبات السعرية التي شهدتها السوق العالمية في الأيام الماضية، جاءت طبيعية في سياق ما يجري على الساحة الدولية بشكل عام. وهذه التقلبات كانت متوقعة، لكنها لا تمثل حالة مخيفة. ففي الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة تحدث مثل هذه التقلبات، خصوصا مع عدم وضوح الرؤية في كثير من القضايا المرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالنفط. ورغم إصابة النفط بخسائر سعرية هذا الأسبوع بلغت 6 في المائة، إلا أنه عوضها بصورة جزئية، بل حقق مكاسب بحدود 1 في المائة. ومن هنا، فإن أسعار النفط ستكون في هذا النطاق المتأرجح فترة من الوقت، وتحديدا حتى تنجلي كثير من الأمور. فهذه السلعة مرتبطة بكل تطور، سواء كان إيجابيا أم سلبيا على الساحة العالمية، لأنها تبقى محورية من جهة الاحتياجات العالمية للطاقة بشكل عام.
ليس هناك خوف من نهاية الاستقرار الراهن في السوق النفطية. والسبب يعرفه الجميع، ويكمن في أن المملكة تستطيع أن تحافظ عليه لقدرتها على سد أي نقص في السوق، والأهم حفاظها على الأداء الجيد لاتفاق خفض الإنتاج العالمي. وتتصدر السعودية الدول النفطية التي تسعى حقا إلى عدم حدوث أي مشكلة في هذه السوق، وقامت في السنوات القليلة الماضية بجهود لضمان الاستقرار المطلوب للنفط، إضافة إلى العدالة التي تتعلق بالإمدادات والأسعار، بما يرضي كل الأطراف المعنية بهذا الخصوص. والرياض تنطلق في الواقع من مسؤوليتها التي ألزمت بها نفسها، لدعم الاقتصاد العالمي، خصوصا في الظروف المتقلبة أيضا التي يمر بها هذا الاقتصاد، بفعل عوامل متعددة.
وكما أن هناك عوامل تؤدي إلى تراجع أسعار النفط، هناك أخرى تدعم ارتفاع الأسعار، لكن بالصورة المقبولة للجميع. ومن العوامل المساعدة على ارتفاع هذه الأسعار، التداعيات التي تركتها العقوبات الأمريكية على كل من النظام الإرهابي في إيران والحكومة الفنزويلية، يضاف إليها العوامل الجيوسياسية في الشرق الأوسط. وهناك تأثيرات "وإن كانت بسيطة" للانقطاعات التي تحدث بين الحين والآخر للنفط الليبي، دون أن ننسى أن الساحة الليبية لا تزال مضطربة بصورة متصاعدة أيضا. وهنا يظهر الدور السعودي المطمئن للاقتصاد العالمي. فالمملكة قادرة على سد أي نقص في الإمدادات، إلى جانب قدرتها على حماية كل الاتفاقات النفطية التي تصب في مصلحة استقرار السوق.
ورغم أن هناك بعض العوامل التي تؤدي إلى تراجع أسعار النفط، منها تباطؤ الاقتصاد العالمي، وزيادة المخزونات الأمريكية من النفط، إلى جانب الخلافات التجارية الكبيرة بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن الأسعار الحالية للبترول تبقى ضمن النطاق المأمول بالنسبة للمنتجين والمستهلكين. فعلى سبيل المثال، زادت الواردات الصينية من النفط السعودي في الآونة الأخيرة بنسبة 43 في المائة، ما يعزز حقيقة النمو الاقتصادي القوي لثاني أكبر اقتصاد في العالم. ومن هنا، يمكننا ملاحظة أن التقلبات السعرية للنفط ليست بالصورة التي تمثل خطورة بالنسبة إلى المنتجين، خصوصا في ظل زيادة الطلب على هذه السلعة، رغم كل المؤثرات السياسية السلبية الراهنة. لن تتوقف حالة التقلبات في المرحلة المقبلة، لكنها تبقى تحت السيطرة، بفعل عوامل كثيرة، في مقدمتها الالتزامات السعودية حيال الاقتصاد العالمي، وقدرتها الفائقة على التدخل في الوقت المناسب لضمان الاستقرار في السوق النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي