قرية الصم

هناك في مكان قصي على الساحل، شمالي جزيرة بالي الإندونيسية تقع قرية "بنجكالا" التي تعد من أفقر قرى المنطقة، وزيادة على فقرها يعاني عدد كبير من سكان القرية الصمم، فقد ولدوا صما وتوارثوا الصمم على مدى نحو ستة أجيال!
وكعادة الشعوب الفقيرة والأمية عزى سكان القرية إصاباتهم بالصمم بهذه النسبة الكبيرة، إلى لعنة حلت بقريتهم، بينما اكتشف العلماء أن سبب ما يعانونه جين نادر تسبب على مدى عقود في إصابة طفل من بين نحو كل 50 طفلا من سكان القرية بالصمم الوراثي.
ومع ذلك لم يستسلم سكان القرية لمصابهم، وحاولوا أن يكسروا حاجز الصمت بين أفراد المجتمع فتعلموا لغة "كاتا كولوك"، التي تعني حديث الصم بالإندونيسية ليتواصلوا مع أفراد عائلاتهم وأصدقائهم الصم. وتختلف هذه اللغة عن سائر لغات الإشارة الأخرى، كما أنها لم تتأثر باللغة الإندونيسية ولا لغة جزيرة بالي أو لغات الإشارة خارج القرية.
أصبح هناك 44 شخصا فقط على مستوى العالم يجيدون هذه اللغة، ومن أشهر المتحدثين بها "عجوز" ثمانيني يدعى كولاك جيتار، ورغم عمره إلا أنه ما زال يتمتع بالقوة فقد كان ماهرا في الفنون القتالية في شبابه التي شكلت له مصدر رزق، رغم العزلة التي يشعر بها قبل تعلمه لغة كاتا كولوك! 
ومن خلال جولة قصيرة تقوم بها في تلك القرية لن تشاهد سوى الأحاديث الصامتة وإيماءات الرؤوس المصحوبة بحركات الأيدي في كل مكان، ولن تفهم منها سوى ضحكات عالية يطلقها البعض دليلا على تفاهمهم!
وفي كل يوم يضيف أبناء بنجكالا المبدعون إشارات جديدة للتعبير عن تجارب ومعان كثيرة لا تنتهي، حتى تحول أبناؤها إلى ممثلين بارعين، إذ يتفنن كثير منهم في تمثيل المعاني بأيديهم وتعبيرات وجوههم، وهو ما يشيع جوا من البهجة بين السكان ويساعد في توطيد علاقات الصداقة بين الصم وسليمي السمع.
ولعل أوضح مثال على ثراء لغة كاتا كولوك وتميزها هو ابتكارهم إشارات خاصة باسم كل أصم تتغير حسب مرحلته العمرية. وهذه الإشارة ترتبط بمظهره أو بحركاته العفوية التي اعتاد فعلها!
ويكسب أغلب سكان القرية الذين ولدوا صما قوت يومهم من الرعي أو الحرف اليدوية، وحراسة الأراضي أو حفر القبور لاعتقادهم أن الصم لا يخافون بسبب قدرتهم على التواصل مع الأرواح الشريرة التي تسكن القبور! أما البعض الآخر فيرى أن في صممهم نعمة تجنبهم سماع الأصوات المرعبة التي تسمع في القبور والأماكن الموحشة وتفزع سليمي السمع، والحقيقة أنهم شجعان بطبعهم وشديدو البأس!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي