مبادرات ثقافية برؤية حضارية

إطلاق المملكة رؤيتها الثقافية، يأتي في الدرجة الأولى استكمالا لأهداف "رؤية المملكة 2030". هذه الرؤية الشاملة لبناء استراتيجي يشمل كل شيء، ويوفر الأدوات اللازمة لمواجهة كل المتغيرات والتطورات اللاحقة. والقطاع الثقافي لا تنظر إليه السعودية بنظرة تقليدية نمطية، بل تتطلع إليه كصناعة، تنقل القيم الثقافية العربية والإسلامية إلى كل الحضارات الأخرى. والرياض - كما نعرف - تتصدر قائمة الدول الأكثر حرصا على إبقاء حوار الحضارات سائرا إلى الأمام، من منطلق مفهومها الحضاري لهذا الجانب الإنساني الحساس والمهم. ومن هنا، يمكن التعاطي مع "الرؤية الثقافية للمملكة" التي تتضمن كل ما يسهم في رسم السياسات الثقافية العملية وليس النظرية فقط، وتلك التي تدخل مباشرة في نسيج التنمية الوطنية الجارية بخطوات متسارعة في كل أرجاء البلاد.
وبالنظر إلى هذه "الرؤية"، فهي تحتوي على 27 مبادرة يشرف عليها 11 كيانا، وهذا يعني أنها شاملة تماما، وستؤدي لاحقا إلى تحقيق الغايات السامية التي وضعتها القيادة، على أسس المفاهيم الإنسانية المتطورة التي لا ترى عنها بديلا للتعاطي المحلي والإقليمي والعالمي. وهذه المبادرات تحتوي "من ضمن ما تحوي" على آليات تشجع المبدعين والموهوبين، للمساهمة المباشرة في البناء الثقافي الجديد. وفي المملكة هناك أعداد كبيرة من هؤلاء، تحتاج بالفعل إلى ميادين لطرح إبداعاتها، فضلا عن وجود مجالات واسعة من هذه الناحية. على هذا الأساس، ستشهد السعودية في المرحلة المقبلة إنتاجا ثقافيا وطنيا مبدعا، يضاف إلى ما هو موجود، ويحاكي الإنتاج الثقافي العالمي بصورة ككل. فالمعايير الثقافية تدعو إلى هذه المحاكاة، وتركز على ضروراتها.
ولعل من المبادرات اللافتة، تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وهذا المجمع ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى، ولا سيما أن هذه اللغة تعد عالميا من اللغات الأساسية، ناهيك عن تشرفها بنزول القرآن الكريم بمفرداتها. ولا شك في أن دعم اللغة العربية هو في حد ذاته ناتج حضاري قومي هائل الدلالات. "رؤية المملكة الثقافية" تتضمن كثيرا من الأدوات، بما فيها إنشاء صندوق نمو ثقافي. والنمو هنا، يعني إخضاع الحراك الثقافي لمسيرة منتجة مبدعة تتطلبها المرحلة الراهنة، إضافة إلى متطلبات المستقبل لها. والنمو هذا، هو أيضا سينتج عن برامج الابتعاث الثقافي، وهذا الأخير له كثير من الدلالات الخاصة بالتواصل الثقافي والاطلاع أكثر فأكثر على الثقافات الأخرى، لتحقيق الغاية الأسمى، وهي الحوار الدائم مع الحضارات.
الميادين الثقافية التي تحملها "الرؤية" كثيرة ومحورية ولها روابطها المستقبلية، من اللغة إلى التراث والنشر والكتاب والموسيقى والسينما وغيرها. إنها منظومة عالية الأهمية، وهي في الوقت نفسه عالية الجودة لأنها تستند إلى استراتيجية مترابطة تشمل كل مناحي الحياة على الساحة السعودية، وتتعاطى مع العالم بأعلى مستوى من الفهم الحضاري والرؤى الإنسانية. ولا شك في أن "رؤية المملكة الثقافية" ستكون هي نفسها أداة لنقل تجربة السعودية الحضارية وإرثها الثقافي إلى العالم، دون أن ننسى الجانب العربي الإسلامي لها بالطبع، وهو جانب تعده القيادة في المملكة أساسيا، لمسؤولية البلاد نفسها في المنطقة، من جهة وزنها وقوتها ومكانتها المرموقة.
إن "الرؤية الثقافية للمملكة" تقدمها الرياض صناعة ثقافية، تجمع كل شيء، وتستند أساسا إلى القيم الحضارية لها، فضلا عن إرثها الثقافي الفريد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي