الجار وحقوقه

كان الحي مجموعة من القلوب النابضة بالحب، وكانت القرية تركيبة تشبه الأسرة الواحدة. يحرص كل واحد على الآخر أكثر من نفسه، ويبحث الجميع لمصلحة الجميع. حين كانت الحساسية غير معروفة، والغضب من تهذيب الكبير خارج المألوف، والخجل من الكبير سائد عند الجميع. تلك أيام الجمال المجتمعي، الذي لا يمكن إلا أن نمتدحها وندعو الجميع لمحاولة العودة إليها بكل ما أوتينا من وسائل.
يأتي عصرنا الجديد بحالة من الاستسلام للضغوط، التي تأتي من الأبناء، حيث يحاول الجميع أن يعيشوا على رضا هؤلاء وفي سبيل ذلك قد يفقدون كثيرا من العلاقات المهمة في الحي والمدرسة والمسجد، وهي المؤثرات الأقرب للجميع في مجتمعنا. لم نكن نعرف مقاضاة المعلمين أو منازعتهم في صلاحياتهم وعلاقاتهم بمن يعلمونهم، اليوم نجد المعلم أمام طريق مسدود لا يمكن معه أن يتخذ أي إجراء بحق أحد ممن يدرسون في فصله أو مدرسته، سواء كان تأديبيا أو حتى قانونيا.
انسحبت الرؤية لتسيطر على الجميع وتدفعنا باتجاه فقدان مزيد من العلاقات المجتمعية، حيث أصبح الجيران في حالة من السلبية الشديدة حتى وهم يرون سلوكيات غير سوية تمارس في أحيائهم وشوارعهم. بغض النظر عن فكرة أن المشكلة يمكن أن تنتشر وتسيء لهم ولأبنائهم وحتى سمعة حيهم، فقدان الإحساس بأهمية العلاقة المحورية في الحي بحد ذاته يولد صعوبات، وينشئ فصولا جديدة ومختلفة من الإشكالات الأسرية.
دعونا نتجاوز الحالة التفردية في المجتمع، وانخفاض حجم الحاجة بين المتجاورين، والاعتماد الأكبر على الأجهزة الحكومية في التعامل مع الإشكالات بمختلف أنواعها، فتلك حالة أثبتت فشلها في كثير من دول العالم، وما عودة دوريات الأحياء في دول أوروبا، والمطابخ التطوعية للفقراء إلا إثبات أن حالة التفرد والاستقلالية التي يعيشها مجتمعنا اليوم غير دائمة وهي برسم التغيير مع الوقت.
تلك المفاهيم التي تغيرت تدفعني للمطالبة بعدم قطع العلاقة المتينة التي تربط مجتمعاتنا، بل والمحاولة الجادة لإعادة روح التعاون، التواد والتراحم من خلال العناصر المعروفة في المجتمع الإسلامي الذي ننتمي إليه، ولنحاول أن نوجد مزيدا من الجمعيات التعاونية وديوانيات الأحياء لربط الأجيال والمحافظة على قيمة الجوار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي