التخصيص والمنافسة المصطنعة

الاقتصاد يتغير باستمرار، وفي كل مرة تظهر لنا مجموعة من التحديات لم تكن معروفة، وبالتالي فإننا في حاجة إلى أساليب تحاكي نجاح من سبقونا في المسائل الاقتصادية المماثلة، أو ابتكار طرق عمل جديدة تتناسب مع ظروفنا الاقتصادية.
الإصلاح الاقتصادي يتطلب فهما عميقا للأنظمة الاقتصادية، وطرق عملها، والأدوات التي تستخدم في عمليات الإصلاحات كالتخصيص؛ وفي نهاية المطاف تهدف الإصلاحات الاقتصادية إلى تغيير نمط التنافسية، ونقل عبء تقديم الخدمات من الحكومة إلى القطاع الخاص، وإن كان الأمر لا يخلو من بعض الاستثناءات.
خلال الـ30 عاما الماضية، قامت 100 دولة بتخصيص آلاف الشركات، وتقدر قيمتها بـ 3.3 تريليون دولار في مجالات متنوعة كالطاقة والموانئ والمطارات والقطارات، وعندما نتفحص البورصات العالمية غير الأمريكية، نجد أن نصف أكبر الشركات المسجلة في البورصات ما هي إلا أعمال حكومية تمت خصخصتها.
إن فهم المسببات التي تتحكم في نجاح التخصيص أمر غاية في الأهمية؛ لأن فهم الطريقة سيغير منهجية تنظيم أنشطة الحكومة الاقتصادية، ولعل أول أمر يتحكم في قرار التخصيص هو مدى نضوج القطاع الخاص، وتوافر الأموال الاستثمارية والخبرات الفنية النوعية، ولا سيما في المجالات الهندسية والصناعية، التي تتطلب رأسمال كثيفا، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو: كيف تتغلب الحكومات على نقص الأموال الاستثمارية، وضعف القطاع الخاص، وعدم قدرة المستهلكين على تحمل التكاليف؟
يمكن القول إن لكل قطاع طبيعة اقتصادية واجتماعية وسياسية تتحكم في أسلوب خصخصته، فإذا ما عدنا إلى الوراء، وإلى فترة تخصيص الاتصالات، نجد أن الاتصالات نجحت بشكل مبهر في التحول من نموذج حكومي إلى نموذج تجاري يعتمد على المنافسة، حتى في الدول الأشد فقرا نجحت الاتصالات بشكل لافت، ويعود الفضل إلى طبيعة القطاع الاقتصادية، في حين أن بعض القطاعات تحتاج إلى تدابير خاصة عن طريق إيجاد منافسة حكومية مصطنعة، تقوم بدور جوهري في شراء الخدمة أو الاستثمار في القطاع؛ لتحفيز النمو، والاستفادة من منافع التخصيص، كزيادة الإنتاجية، وتحسين كفاءة التشغيل، وزيادة الشفافية، وتحسين الخدمة، وإلغاء السياسة من صناعة القرار الاقتصادي.
تسهم المنافسة المصطنعة في زيادة جاذبية الاستثمارات الأجنبية، وزيادة عمق أسواق الأسهم، فمعظم الشركات الكبرى في البورصات كانت حكومية، إضافة إلى أن إيجاد المنافسة المصطنعة يعزز من كفاءة ميزانية الحكومة.
تتغلب الدول على حالة ضعف القطاع الخاص، عن طريق الاستثمارات الأجنبية، أو تكوين تحالفات محلية واستثمارات مصطنعة بأموال حكومية؛ لمعالجة مشكلة ضعف إقبال المستثمرين، بتأسيس شركات حكومية قبل بيعها في سوق الأسهم.
إن الجمع بين الخصخصة والمنافسة المفتوحة يتطلب وجود قطاع خاص قادر فنيا واستثماريا؛ لأن عمليات التخصيص في الأسواق غير المتطورة تتطلب مرحلة أو مرحلتين من عمليات التحول الهيكلي قبل الوصول إلى أسواق تعتمد على المنافسة المفتوحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي