default Author

العقبات وتحقيق الاقتصاد المستدام

|


تتشابه معظم نماذج الأعمال اليوم، حيث تأخذ الشركات الموارد وتحولها إلى المنتجات؛ ومن ثم يستهلكها العملاء ويتخلصون منها. وفي نهاية الحزام الناقل لا يبقى سوى كومة متزايدة من النفايات. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لجعل الأعمال أكثر استدامة وإدارة النفايات بكفاءة أكبر، إلا أنه لا يزال تصنيع هذه المنتجات سببا في إحداث بعض الضرر البيئي. يقدم "الاقتصاد الدائري" بديلا. ويعد نهجا رائعا ذا رؤية شاملة لاقتصاد صناعي لا ينتج أي نفايات أو يسبب التلوث، بطريقتين: إعادة تدوير كل ما هو طبيعي، وثانيا إعادة استخدام المنتجات التقنية أو توزيعها أو إعادة بيعها، أي إعادة تدويرها في نهاية المطاف أيضا. الهدف الأساسي للاقتصاد الدائري هو فصل النمو الاقتصادي عن استهلاك الموارد الطبيعية. وبكل بساطة، لأنه من المتوقع أن نستهلك خلال السنوات الـ 20 المقبلة ثلاثة أضعاف موارد الأرض. لذا من الضروري مواجهة النمو السكاني الهائل "ونمو الطبقة الوسطى"، وأن نكون حذرين عند التعامل مع أساليب الإنتاج ومحفزات النمو الاقتصادي. لذلك يتطلب التوجه نحو الاقتصاد الدائري إلى نماذج عمل مربحة. أشرت خلال السنوات السابقة إلى بعض الطرق الممكنة التي تمكن قطاع الأعمال من التخطيط لإعادة التدوير وإعادة استخدام المنتجات. معولا على 15 عاما من الأبحاث حول سلسلة الإمداد المغلقة بالتعاون مع دانيال جايد: تطوير بحوث سلسلة التوريد المغلقة، وجود نموذج أعمال ملائم أمر حيوي لجعل الأعمال مربحة من المنتجات التي لم يعد يرغب فيها المستهلك الأول.
يجب على التحولات الكبيرة مثل تلك التي اقترحها الاقتصاد الدائري أن تضع نماذج الأعمال محور اهتمامها. فمبدأ الاقتصاد الدائري يقوم على إعادة استخدام المنتجات، التي يمكن أن تكون على شكل عقود إيجار. فغسالة الملابس على سبيل المثال، يمكن تأجيرها عدة مرات على مدى 20 عاما للحد من تأثيرها البيئي عندما يرغب المشتري الأول في التخلص منها. ولكن هناك عديد من الاعتبارات التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند القيام بذلك، مثل بناء آلة متينة في المقام الأول، وإيصالها إلى منازل مختلفة، وأن يكون من السهل إصلاحها.
تحتاج الشركات إلى إعادة النظر في اختبارات الغسالات، لأن الاختبارات الحالية تتم في بيئة مثالية، ولكن قد يسيء المستهلك استخدام الغسالات المؤجرة فهي من الناحية التقنية ليست ملكه. يجب تحضير عقود التأجير بشكل متأن، وتحصيل المبالغ المترتبة من العملاء المتأخرين في دفع مستحقاتهم المالية. كما يجب تجهيز الكفالات وتنظيم عمليات الإصلاح. ويجب أن نولي مصير المنتج بعد انتهاء دورة حياته الأهمية الأكبر.
كانت تكلفة إعادة التدوير في الشركات باهظة. حيث شكلت تكاليف إعادة التدوير 80 في المائة من التكلفة، و20 في المائة للخدمات اللوجستية. أصبحت التكلفة اليوم في عالم الأعمال ما يقرب من 50/50. وأصبح إعادة التدوير أكثر كفاءة مما كان عليه في وقت سابق، ويعد رخيصا نسبيا، بينما ارتفعت تكاليف النقل والإمداد ويجب أن تؤخذ في الحسبان عند وضع نموذج الأعمال. وهناك اعتبار آخر هو طبيعة العلاقة مع أسواق التجزئة القائمة: يرى بعض تجار التجزئة أن عقود التأجير تقلل من فرص المبيعات، وقد يدفعهم ذلك إلى التوقف عن بيع منتجات الشركة الحالية بالحماس نفسه.
ويجب على الشركة المصنعة أيضا معرفة عدد العملاء الذين على استعداد لدفع ثمن الإيجار، ولكن ذلك بالأمر المعقد. فعلى الرغم من أن العميل يدفع مبالغ صغيرة شهريا دون متاعب كون تكاليف الإصلاح تذهب إلى الشركة، والتكلفة الإجمالية للملكية تكون أعلى عند التأجير. لا يزال أغلب العملاء اليوم يفضلون الشراء على عقود التأجير في كثير من الأحيان. أظهرت الأبحاث القليلة التي قمنا بها إلى أن العملاء لا يرغبون في دفع المزيد.
يحتاج نموذج التأجير أيضا للنظر إلى رد فعل العملاء للخيارات المحدودة وعدم مجاراتها للتطورات التكنولوجية. فإذا ما تم إعادة استخدام الغسالات، سيؤثر ذلك في تصميم وتصنيع المزيد. إذا ما باشرت الشركات بعقود التأجير قبل التحضير لها بشكل جيد، فمن المحتمل ألا يكون هذا النهج مربحا لهذه الشركات، على الرغم من حسن النية، ما يؤدي إلى خسارة الوظائف والتباطؤ في الالتزام بالاستدامة.
إن لم تؤخذ العملية كلها في الحسبان، قد تتحول الشركات عن اتباع نموذج العمل هذا، وسنخسر مناصري الاستدامة.
وهناك أمر يعد حيويا لنجاح الاقتصاد الدائري وهو اللوائح. واجه الاتحاد الأوروبي في بداية الألفية الثالثة مشكلات مع توجيهات اللجنة الأوروبية لإدارة النفايات الكهربائية والإلكترونية المعنية بالنفايات الإلكترونية. فبعضها كان جيدا والآخر ليس كذلك. ففي الوقت الذي حملت فيه المنتجين مسؤولية التخلص من منتجاتهم المستهلكة، لكنها لم تشر إلى أية تفاصيل عن كيفية قيامهم بذلك.
تعد اللوائح وسيلة فعالة لكنها لا يمكن أن تكون تفصيلية، لأنها قد تؤدي إلى وضع قيود على كفاءة أسواق النفايات. ومن الواضح أنه من الأفضل أن يتم وضع بعض المبادئ والأطر العامة التي يمكن تكييفها مع الوضع المتغير الحيوي.
إصدار اللوائح في الاتحاد الأوروبي قد يكون بالأمر المعقد. على سبيل المثال، يحدد الاتحاد الأوروبي اللوائح ومن ثم تضع 28 دولة قوانينها الخاصة التي لا يمكن أن تتعارض مع هذه اللوائح، لتأتي بعدها عملية التنفيذ، وهي مسألة أخرى. فوضع التشريعات في بعض الدول يتم بسرعة على عكس عملية التنفيذ. وقد تواجه الشركات العاملة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي 50 تطبيقا مختلفا "بما في ذلك القوانين على مستوى المقاطعات"، ما يجعل عملية الامتثال لها مكلفة ومرهقة.
كانت خطة عمل الاتحاد الأوروبي للاقتصاد الدائري أكثر انفتاحا على المناقشة. وركزت على دورات حياة المنتج، ووجود أهداف تشريعية واضحة لإدارة النفايات وإعادة التدوير. وهدفت الخطة إلى "ضمان ظروف مواتية للابتكار" بالسوق الواحدة. وهناك جانب آخر مهم يلاقي قبولا وهو إزالة العقبات الناجمة عن التشريعات الأوروبية أو وسائل التطبيق غير الملائمة، من التعدي على الاقتصاد الدائري.

إنشرها