حساسية بين الأجيال

شاركت في لقاء تلفزيوني عن مفهوم تعليق الدراسة، كان من ضمن المحاور الفرق في رؤية الأجيال حول تعليق الدراسة، واعتبارها واحدة من مصادر الخلاف المجتمعي فيما يخص مراعاة حال الأطفال وتأثرهم بالظواهر الجوية والمؤثرات الأخرى، وهي من علامات الدلال الذي يسيطر اليوم في كل شيء، ناهيك عن المدرسين وما يخصهم.
كنا في سالف الأيام لا نطالب المدرسة بشيء، بل إن إدارة المدرسة كانت صاحبة صلاحية مفتوحة في التعامل مع كل المكونات الموجودة في المبنى بصراحة. كانوا المثل السائد "لكم الجلد ولنا العظم"، وهذه حقيقة مصدرها الثقة الكاملة في مكونات المدرسة من إدارة ومعلمين، وفي المقابل الثقة بأن أبناءهم من النوع غير القابل للخدش، الذي يتحمل كل شيء من "بلاوي" ومصائب الحياة لأنهم تربوا على صلف العيش. هنا وبعد مراجعة سريعة لما بعد اللقاء وجدت أننا نعيش في حال من التغيير المتدرج الذي وصل فيه الاختلاف إلى حالة من الشذوذ الذي أصبح معه الطالب يعتدي بالضرب على المعلم، ويشكو مسؤولي التعليم في أقسام الشرط إن هم استخدموا لفظا يجرح مشاعر الطفل المدلل.
وصلنا في النهاية إلى انتشار أفراد لا يستطيعون التعامل مع ظروف الحياة، ولعل المراقب يعرف حجم تأثير ذلكم الدلال الذي أصبح معه الأب والأم مصدرين لكل شيء ومدبرين لكل احتياجات الأبناء والبنات التي وصلت لدرجة توفير الزوجة والسكن لهم لتتكون إشكالية أكبر تؤدي إلى الطلاق الذي ينتشر بسبب عدم الاكتراث الذي تعيشه الأسر الحديثة.
السؤال الذي بدأه مقدم الحلقة كان مفاجئا لي لأنني إن رجعت للماضي الذي لا يعترف بتعليق الدراسة، فأنا أنبش واقعا مؤلما ليس سببه حجم السحابات ومكوناتها، وإنما تفاصيل الحياة اليومية التي تكونت بعد أن فقد الأبناء والبنات القدرة على التفاعل مع الواقع الذي حرمهم من مواجهته الآباء والأمهات بسبب الدلال والخوف على الصغار من الحياة والعيش في الواقع.
نظرية حساسية الأجيال تجاه بعضها هي ما يجعلني أخفف من قلقي لأن لي تعارض مصالح مع الفكرة كوني أحد مكونات جيل مضى يشكو حال من جاء بعده كحالة من التنافس الفكري والتاريخي، خصوصا أن جيلي أنهى فترة شبابه وليس له من الإنجازات ما يمكن أن يشار إليه بالبنان، وهذه مشكلة أخرى قوامها الاعتداد بالذات الذي لا تدعمه إنجازات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي