تحديات القرن الـ 21 والعمل التعددي الجديد

سأتحدث في هذا المقال عن البعد الثاني في المشهد الاقتصادي المتغير؛ أي عدم المساواة والتكنولوجيا واستمرارية الأوضاع، وهذه ليست بالموضوعات الجديدة، لكنها في الوقت الحالي أكثر تشابكا، وأسرع حركة من أي وقت مضى.
والتحرك لمواجهة هذا البُعد يمثل مطلبا بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والرخاء. ولكن مرة أخرى، لا يمكن التحرك بفعالية لمواجهة هذا البعد إلا من خلال التعاون.
فلننظر إلى عدم المساواة: تفيد بحوث الصندوق بأن انخفاض عدم المساواة يرتبط بنمو أقوى وأكثر قابلية للاستمرار. وفي الوقت نفسه، ترتبط الزيادة المفرطة في عدم المساواة بتهميش المواطنين، وتلف المجتمعات، وتآكل الثقة. فلا عجب أن يشعر كثيرون بالغضب والإحباط.
والتصدي لعدم المساواة يتطلب الشراكة، والعمل الجماعي بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني؛ بغية القضاء على التمييز ضد المرأة، وتصميم إصلاحات سوق العمل الصحيحة، وتقويم نظم التعليم والتدريب، والحماية الاجتماعية؛ لإشراك المواطنين، وعدم إقصائهم، بل تهيئتهم للتحول التكنولوجي اللاحق.
ولننظر إلى التكنولوجيا: نحن نعلم أن الثورة الرقمية تحمل في طياتها آمالا واعدة ومخاطر كبيرة؛ فالتكنولوجيا البيولوجية وتكنولوجيا الروبوت والذكاء الاصطناعي ستوفر صناعات وفرص عمل جديدة، لكن هذا التحول سيكون مُربكا أيضا، ويتسبب في حالات من الحرمان، ويجب أن نكون منتبهين للآثار التي ستقع على الناس.
ولا شك أن التكنولوجيا المالية بإمكانها إطلاق العنان للديناميكية الاقتصادية والحد من الفقر، خاصة بتوفير الخدمات المالية لنحو 1.7 مليار نسمة لا يستفيدون من الخدمات المصرفية، ولكن مرة أخرى، ينبغي توخي الحذر في التعامل معها لحماية الاستقرار والأمان الماليين.
ونظرا لأن "الرقمنة" تعني "العولمة"، فإنها ستتطلب جهدا متعدد الأطراف، وأشعر بالتفاؤل؛ لأننا أطلقنا – بالتعاون مع البنك الدولي وجهات شريكة أخرى – "جدول أعمال بالي للتكنولوجيا المالية"؛ للمساعدة على تقديم الإرشاد لمساعينا المشتركة.
أما فيما يتعلق باستمرارية الأوضاع، فإن معالجة آثار تغير المناخ متزايدة السلبية هي أولوية مشتركة لا يمكن تحقيقها إلا بالعمل المشترك.
والأمر نفسه يسري على جدول الأعمال الأوسع نطاقا لتحقيق "أهداف التنمية المستدامة"، التي تمثل تطلعاتنا المشتركة من أجل عالم أفضل للجميع. وتفيد تقديراتنا أخيرا بأن حجم الإنفاق الإضافي اللازم للبلدان منخفضة الدخل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة – في القطاعات الرئيسة كالصحة والتعليم والمياه والبنية التحتية – سيبلغ نحو 520 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030.
ولا سبيل لسد هذه الفجوة من دون الشراكة – بين البلدان نفسها، والقطاع الخاص، والجهات المانحة، والمؤسسات الدولية، وجهات العمل الخيري، ويجب أن تمتد هذه الشراكة لتشمل رفع كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز عملية التحصيل الضريبي، بسبل منها كبح التهرب والتحايل الضريبيين، والقضاء على الفساد.
وهذا النوع من الشراكة يشكل جزءا أساسيا من العمل التعددي الجديد، ما يرجع لأمور ليس أقلها أن التوترات الناجمة عن الإقصاء وتغير المناخ لا تتوقف عند الحدود الوطنية. ولذلك، فإن التضامن هو من قبيل المصلحة الذاتية.
كذلك يجب أن يكون العمل التعددي الجديد أكثر شمولا للجميع، ومنفتحا أمام تنوع الآراء والأصوات، ويجب أن يكون أكثر توجها نحو الناس - فيضع الاحتياجات الإنسانية في المقام الأول، ويجب أن يكون أكثر فعالية وعلى درجة أكبر من المساءلة، محققا النتائج لمصلحة الجميع. والصندوق في قلب هذا العمل التعددي الجديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي