لا أفتشك ... ولا تفتشني

حين عرضت موضوع تفتيش الجوال بين الأزواج للنقاش، لم أكن أتوقع كل هذا الهجوم من قبل البعض، بل إن أحدهم طالبني بتقديم اعتذار على حسابي بتويتر لأني قلت بما أن الزوجة ليس من حقها تفتيش جوال الزوج فكذلك الزوج ليس من حقه تفتيش جوال زوجته، وهذا أمر لم أبتدعه، بل هو قاعدة شرعية تنهى عن التجسس، ففي سورة الحجرات يقول سبحانه (ولا تجسسوا)، والنبي الحبيب - عليه الصلاة والسلام - نهى عن قدوم الرجل من سفر على أهله ليلا، وفي رواية أخرى نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم.
كل فعل تقوم فيه بالتعدي على خصوصيات الآخر دون علم منه فهو تجسس، بعض الزوجات وكذلك الأزواج يتوهم أمورا غير صحيحة في الطرف الآخر دافعه في ذلك الشك والتخوين، حتى لو تأكد له عكس ما يظن، سيظل الشك مسيطرا على تفكيره، وستستفزه كل رسالة يرن بها جوالها وكل ضحكة بريئة من زوجته بسبب مقطع واتساب، وكل مكالمة تحتاج إلى مكان هادئ تتحدث فيه، هذا الهوس المسيطر على عقول بعض الأزواج والزوجات بتفتيش جوالات بعضهم بعضا إنما هو بمنزلة دق مسمار في نعش الحياة الزوجية، إن لم يبن الزواج على الثقة واحترام خصوصيات الآخر والمودة والرحمة، فلا أظنه سيصمد كثيرا أمام تحديات الحياة، لأن الطاقة السلبية بسبب التخوين والشك والتجسس والترصد والبحث عن أدلة تدين الآخر ستجعل الأساس هشا وقابلا للانهيار، سيستهلك الزوجان نفسيهما في حرب التفتيش الطاحنة، ولن يتسع لهما الوقت للتفكير في مستقبل الأسرة والأبناء وتحقيق الأحلام والشعور بالسعادة، ولنفترض جدلا أن الزوجة بعد سنوات من تقمصها دور المحقق “كونان” عثرت على دليل يدين زوجها، فما الفائدة التي ستجنيها من هذا ؟!
إما أن تطلب الطلاق وهذا خراب لبيتها، أو تصبر على مضض ومرارة، وهذا خراب لعلاقتها مع زوجها، أو تواجهه بما علمت وهذا خراب لنفسيته ونفسيتها. ما زلت مؤمنة بأن من يخون إنما يخون ربه وعهده وميثاقه وليس البشر!
تظل الحياة الزوجية أعمق وأكبر من أن تمارس فيها أمور في غاية العبث تفقدها قدسية الميثاق، وتحرق كل مراكب الثقة والاحترام بين طرفيها، حين تبدآن في تفتيش جوالات بعضكما فأنتما في الواقع تفقدان الكثير من احترامكما لأنفسكما!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي