الطمأنينة .. استراتيجية سعودية في الحج

"الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، بهذه الآية العظيمة عن الحج، وضع الله - جل شأنه - قواعده، وأركانه، ومبادئه، ومناسكه. وفي القرآن الكريم كثير من الآيات التي تبين للناس كيف تتم إدارة الحج والتعامل مع ضيوف الرحمن. ومنذ وحد المؤسس - رحمه الله - أركان هذه البلاد، وضع استراتيجية واضحة وشفافة في تعامل الحكومة السعودية مع مناسك الحج وأعمال الحجاج، على محجة القرآن الكريم وقاعدة "طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود". فمنذ اليوم الأول لأشهر الحج المعلومة، تستنفر المملكة كل قواها المادية والبشرية داخليا وحول العالم أجمع؛ لتحقق للحجاج حجا آمنا خاليا من كل ما يخرم أركانه ومبادئه، فالمملكة تدرك دورها، وأن كثيرا من الحجاج قد أنفقوا أموالهم، وتركوا أولادهم، وجاءوا في رحلة عظيمة مهيبة إلى المسجد الحرام، يقدسون الله ويعبدونه كما أمر، لا فسوق ولا جدال، لا سياسة في الحج ولا تسييس له، لا شعارات ولا هتافات غير "الله أكبر ولله الحمد". لقد قامت استراتيجية المملكة في عمارة البيت الحرام على رؤية واضحة جدا، "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر"، ولهذا سعت المملكة على أن يصل نداء الحج إلى كل المعمورة، وأن تفتح المملكة كل سفاراتها وقنصلياتها؛ لتسهيل إجراءات وصول الحجاج، واهتمت بالموانئ البحرية والجوية. واليوم تستكمل المملكة في هذا المسار جهودها الجبارة مع إعادة إعمار مطار الملك عبدالعزيز، واستكمال منظومة قطار الحرمين، لتأخذ الحجاج من منازلهم في أقصى الأرض إلى رحلة الهدى والنور في أرقى وسائل النقل الحديثة والمطورة، في أمن وسهولة، يهتفون بصوت واحد مجلجل "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك".
وعلى قاعدة "طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود"، أنفقت المملكة - وبسخاء كبير، ترجو أجره من الله وحده - المليارات في ثلاث توسعات جبارة، كانت آخرها - ولم تزل - توسعة الملك سلمان، حيث تمت من خلالها إعادة هيكلة المنطقة المركزية للحرم، ورغم الحجم الضخم للمشاريع والأعمال الإنشائية، التي تستلزم وفقا لأي قواعد عمل هندسي إيقاف الدخول إلى منطقة الحرم تماما، إلا أن المملكة التزمت بقاعدة تطهير البيت للطائفين والعاكفين، فتمت هذه التوسعات الهائلة؛ حتى وصلت أعداد المصلين في المسجد الحرام إلى 2.5 مليون مصل، لم يتم منع حاج واحد من الوصول إلى مكانه الذي يرضاه في الحرم أو حتى في المشاعر المقدسة، أو حتى يسكن بجوارهما، بل حتى دون أن يشعر أن عملا ضخما يتم بين أروقة الحرم الذي يطوف فيه. وبخلاف توسعة الحرم، قامت المملكة بأعمال جبارة أخرى، منها ما كانت تتطلب توسعة ضخمة وهندسة معقدة لمنطقة رمي الجمرات، وهي المنطقة المركزية في منى، وتدور حولها مناسك كثيرة لا يمكن إيقافها أبدا، ومع ذلك تمت التوسعة الجبارة دون أن يتوقف حاج واحد في مسيرته نحو نسكه، أو يرمي جمراته التي في يده، وبينما هناك الآلاف ممن يعملون على صيانة وقيادة وتجهيز وأمن قطار المشاعر، الذي يحمل في الساعة قريبا من 100 ألف حاج، تجد الحجاج يقولون في سعادة غامرة: "الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا".
وفي سياستها الأمنية، تراعي المملكة اختلاف الحجاج في مذاهبهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، ولهذا جندت أكثر من 100 ألف رجل أمن مدربين على أفضل وأرقى نماذج إدارة الحشود، وكثيرا جدا من الرجال والنساء والشباب في كل مؤسسات الدولة من صحة وتجارة وخدمات، حتى الكشافة، بحيث يجد الحاج خدماته في يسر، فلا تتصادم المذاهب، ولا تعترض السياسة طريق حاج مسلم، كلهم يشعرون بأنهم إخوة في صعيد واحد مرحب بهم، ولا يسقط حاج إلا وهناك يد ترفعه، ولا يمرض إلا وطبيب يعالجه، ولا يشعر بالجوع إلا وهناك من يتولى غذاءه وسقايته، ولا يضيع رجل أو امرأة أو طفل إلا وهناك من يؤويه ويرشده. جهود جبارة حتى لا يختصم في الحج مسلمان؛ لتتحقق قاعدة "لا جدال ولا فسوق في الحج"، فمن يرفع شعارا غير الحج ومناسكه يتم منعه بالحسنى، ومن يريد أن يسرق الحاج أو يؤذيه يتم قمعه بالقوة، ورغم كثرة الأعلام التي ترشد الحاج إلى قافلته وأهله وحملته، وملايين البشر هنا وهناك، فإنك لو دققت النظر فلن تجد من يرفع صورة ملك أو رئيس أو دولة، ولا تجد سلاحا أو سوطا في وجه مسلم، كلهم في مناسكهم ترعاهم يد حكومة المملكة، بفضل الله وكرمه، سعداء يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا، يقول لهم أبناء المملكة في صوت واحد مجلجل: "حج مبرور وسعي مشكور"، هذه هي استراتيجية المملكة في الحج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي