default Author

التعاون لمعالجة الاختلالات العالمية "2 من 2"

|

تسود أرصدة الحساب الجاري الأعلى من المستوى المرغوب في بلدان الشمال الأوروبي – مثل ألمانيا وهولندا والسويد – وبعض أجزاء من آسيا – في اقتصادات مثل الصين وكوريا وسنغافورة. ولا يزال معظم الأرصدة دون المستوى المرغوب يتركز في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وإزاء استمرارية الاختلالات العالمية وتزايُد تصورات الافتقار إلى بيئة تجارية عادلة، نشهد تزايدا في التوجهات الحمائية. وتمثل هذه التوجهات نزعات خاطئة. فتصاعد السياسات الحمائية من شأنه الإضرار بالنمو المحلي والعالمي بصفة أساسية، دون أن يترك أثرا كبيرا في اختلالات الحساب الجاري، وهو ما يخلص إليه تقرير هذا العام أيضا.
رغم أن التركيبة الحالية من الاختلالات العالمية المفرطة لا تشكل خطرا محدقا، فنحن نتوقع لها، في ظل السياسات المخططة، أن تنمو على المدى المتوسط، لتصبح في نهاية المطاف خطرا على الاستقرار العالمي.
ومن المرجح أن يؤدي التوسع المالي المخطط في الولايات المتحدة إلى زيادة عجز حسابها الجاري – مع حدوث زيادة مناظرة في فوائض بقية العالم – ما يؤدي إلى وتيرة أسرع في عودة الولايات المتحدة إلى سياستها النقدية العادية. ويمكن أن يكون تضييق الأوضاع المالية العالمية المترتب على ذلك أمرا مثيرا للاضطراب في الاقتصادات الصاعدة والنامية، خاصة الاقتصادات الأضعف التي تعرضت لبعض الضغوط بالفعل.
وفي الوقت نفسه، نجد أن الإجراءات المحدودة لمعالجة الاختلالات في البلدان ذات الفوائض تشير إلى أن هذه الفوائض ستستمر. وعلى خلفية استمرار تركز العجوزات في البلدان المدينة واستمرار الفوائض في البلدان الدائنة، سيستمر التباعد بين المراكز الصافية لأرصدة الأصول الأجنبية، ما يزيد من احتمالية التعديلات المربكة في أسعار الصرف وأسعار الأصول لدى البلدان المدينة في وقت لاحق. ومن شأن هذه التطورات أن تقلص النمو العالمي، ما يضر بالاقتصادات ذات الفوائض أيضا.
ونظرا إلى مخاطر نضوب الإقراض الأجنبي، تواجه بلدان العجز ضغوطا أكبر من البلدان ذات الفوائض لتحقيق التوازن في حساباتها الدولية. لكن حين يأتي التعديل، تكون الخسارة من نصيب البلدان الدائنة والمدينة على السواء. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نتذكر التعديل الذي أعقب الأزمة المالية العالمية في الماضي القريب.
ولذلك يتعين على كل من بلدان الفائض والعجز أن تعمل معا لتخفيض الاختلالات العالمية المفرطة بصورة تدعم النمو والاستقرار العالميين.
في الظرف الراهن، حيث اقتربت بلدان كثيرة من مستوى التشغيل الكامل وزاد ضيق حيز المناورة المتاح في ميزانياتها العمومية، ينبغي للحكومات أن تضبط سياساتها بدقة لتحقيق أهدافها الداخلية والخارجية، مع إعادة بناء هوامش الأمان في السياسة النقدية وسياسة المالية العامة. وعلى وجه الخصوص:
ينبغي تخفيض عجز المالية العامة وتشجيع الأسر على الادخار في البلدان التي بلغت أرصدة حساباتها الجارية الخارجية مستوى أقل مما ينبغي، مع مواصلة العودة إلى الأوضاع النقدية العادية بالتدريج.
حيثما كانت أرصدة الحساب الجاري أعلى مما ينبغي، فقد يكون من الملائم استخدام الحيز المالي، إذا كان متاحا، لتخفيض الفوائض الزائدة.
ينبغي أن تسهم السياسات الهيكلية جيدة التصميم بدور أبرز في معالجة الاختلالات الخارجية، مع تعزيز إمكانات النمو المحلي. وبوجه عام، يمكن أن تؤدي الإصلاحات المشجعة للاستثمار والمثبطة للادخار المفرط – عن طريق إزالة حواجز دخول السوق أو تقوية شبكات الأمان الاجتماعي – إلى دعم استعادة التوازن الخارجي في البلدان ذات الفوائض المفرطة، بينما تكون الإصلاحات الرامية إلى رفع الإنتاجية وتحسين قاعدة مهارات العمالة ملائمة في البلدان التي تسجل عجوزات خارجية مفرطة.
وأخيرا، ينبغي لكل البلدان أن تعمل على إحياء جهود تحرير التجارة مع تحديث النظام التجاري متعدد الأطراف – وذلك على سبيل المثال بتشجيع تجارة الخدمات، حيث يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة من تحرير التجارة. وقد تكون لمثل هذه الجهود آثار محدودة في الاختلالات المفرطة في الحساب الجاري، لكنها يمكن أن تحقق آثارا إيجابية كبيرة في الإنتاجية والرخاء، مع تخفيض مخاطر أن تؤدي اختلالات الحساب الجاري إلى ظهور استجابات حمائية تتسبب في نتائج عكسية.

إنشرها