الاقتصادات المتقدمة .. وسياسة التشجيع والتمكين «2 من 2»

نخلص إلى أن سياسات سوق العمل ومؤسساته، مثل نظام الضرائب والإعانات الاجتماعية، والإنفاق العام على برامج سوق العمل النشطة كـ "التدريب"، والسياسات التي تستهدف تشجيع مجموعات معينة من العمالة على المشاركة، إلى جانب تحسين التحصيل التعليمي والتغييرات الهيكلية، كلها تفسر الجانب الأكبر من الزيادة الهائلة في مشاركة النساء في مقتبل العمر والعمالة الأكبر سنا خلال العقود الثلاثة الماضية. ومن الممكن أيضا أن يكون إجراء تعديلات أكثر دعما في سياسات البلدان الأوروبية وتحقيق تحسن أكبر في التحصيل التعليمي بين النساء الأوروبيات في مقتبل العمر عاملا آخر يفسر الفرق الشاسع بين اتجاهات المشاركة في أوروبا والاتجاهات المقابلة في الولايات المتحدة.
وعلى العكس من ذلك، نجد أن التحول إلى التشغيل الآلي -رغم فائدته للاقتصاد ككل- كان كابحا لمعدلات المشاركة بالنسبة لمعظم مجموعات العمالة، وكانت له آثار سلبية أكثر استمرارية في الولايات المتحدة عنها في أوروبا. ونجد أن الأفراد الذين يعملون أو كانوا يعملون في مهن أكثر عرضة للتشغيل الآلي هم الفئة الأرجح أن تتسرب من القوى العاملة بفارق كبير عن الفئات الأخرى. لكن المشجع أن السياسات الرامية إلى تحسين عملية التوفيق بين العمالة المتوافرة والوظائف المعروضة يمكن أن تعوض جانبا من هذا الأثر. فغالبا ما تؤدي زيادة الإنفاق على التعليم وبرامج سوق العمل النشطة، وكذلك النفاذ إلى أسواق عمل أكثر تنوعا، إلى تخفيف العلاقة السلبية بين التشغيل الآلي والارتباط بسوق العمل. غير أن على صناع السياسات الانتباه إلى التعديلات الصعبة التي تفرضها التطورات التكنولوجية على بعض القطاعات والمهن والمناطق الجغرافية.
يمكن توسيع نطاق المكاسب التي تحققها المشاركة في سوق العمل من خلال السياسات التي تشجع العمالة على الانضمام إلى القوى العاملة أو البقاء فيها، والسياسات التي تساعد العمالة على الجمع بين الحياة الأسرية والعملية. ويمكن جذب النساء إلى سوق العمل من خلال الإنفاق العام على التعليم والرعاية في الطفولة المبكرة، وترتيبات العمل المرنة، والإجازة الوالدية. وبالنسبة للعمالة الأكبر سنا، يمكن إطالة الحياة العملية من خلال تقليل حوافز التقاعد المبكر، أو رفع سن التقاعد، أو جعل نظم التقاعد أكثر إنصافا من الناحية الإكتوارية، وإن كان ينبغي ألا تؤدي هذه الإصلاحات إلى التأثير في الأهداف الأخرى، مثل إقامة شبكة أمان اجتماعي أساسية للأفراد الأقل دخلا.
ولكن التحولات الشديدة في الهياكل الديموغرافية المتوقعة في الاقتصادات المتقدمة يمكن أن تطغى في نهاية المطاف على قدرة السياسات على تعويض الأثر الكامل لعوامل الشيخوخة. وتشير عمليات المحاكاة التوضيحية الواردة في الرسم البياني إلى أن المشاركة الكلية ستنخفض في نهاية المطاف -حتى إذا تم سد الفجوات بين الجنسين بشكل كامل- وأن مشاركة العمالة الأكبر سنا يتعين أن تحقق ارتفاعا كبيرا حتى يتلاشى الانخفاض في المشاركة الكلية بشكل كامل. ومن شأن الوصول بالسياسات إلى ما يمكن اعتباره "ممارسة مثلى" (من منظور المشاركة في سوق العمل) أن يخفف بعض العبء المعوق الذي تفرضه الشيخوخة.
وما لم يحقق التقدم التكنولوجي مكاسب تعويضية على صعيد الإنتاجية، قد يتعين على كثير من الاقتصادات المتقدمة أن تعيد النظر في سياسات الهجرة لتعزيز عرض العمالة، مع انتهاج سياسات تشجع العمالة الأكبر سنا على تأجيل التقاعد. وعلى الرغم من أن استقبال المهاجرين يفرض تحديات على البلدان المضيفة، فإن أي جهود لكبح الهجرة الدولية من شأنها أن تجعل الضغوط الديموغرافية أكثر سوءا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي