الرهن التجاري وتحقيق النمو الاقتصادي

العلاقات بين الأصول بأنواعها وطريقة تمويل هذه الأصول هي القاعدة الأساس والركيزة الأولى في بناء المؤسسات التجارية على تنوعها، فهيكل تمويل الأصول يعتمد على العلاقة بين رأس المال وحقوق الملكية الأخرى من جانب وبين الديون من جانب آخر سواء كانت تلك الديون قصيرة أو طويلة الأجل، وهذا الهيكل هو مدار تقييم المنشآت دائما وهو محور ارتكاز في التحليل المالي. فالعلاقة بين الأصول قصيرة الأجل والديون قصيرة الأجل هو الذي يحدد قدرة المؤسسة التجارية على سداد ديونها، والنسبة بين الديون وحقوق الملكية هو الذي يحدد سعر الفائدة على الديون من جانب ويحدد قدرة المؤسسة على الحصول على مزيد من التمويل. وإذا كان كثير من المؤسسات الدولية يضع معايير لمثل هذه النسب والعلاقات فإن ارتفاع حجم حقوق الملكية مقارنة بالديون يعني أن هناك أصولا كثيرة وممتلكات تمثل ضمانات كبيرة غير مستغلة ويمكن استخدامها في الحصول على مزيد من التمويل وتحقيق فرص التوسع والتنوع الاقتصادي والاستثماري. وإذا كانت هذه القاعدة معروفة في مدراس التمويل فإن السؤال يبقى حول الأسباب الكامنة التي تمنع مؤسسة ما من الاستفادة من حجم الملكية والأصول المتوافر لها للحصول على رافعة مالية. هنا نجد أن أكبر عائق كان عدم وجود تنظيم لهذا الأمر يضمن الحقوق للأطراف كافة، ولسد هذه الثغرة صدر نظام الرهن التجاري.
مؤسسات التمويل دائما ما تكون معنية بدراسة القوائم المالية للمؤسسات، من أجل دراسة قدرة المؤسسة على السداد، إذ إن تقييما مثل هذا هو مدار تحديد سعر الفائدة، فإذا لم تكن الأصول قادرة على إنتاج إيرادات كافية لسداد الديون وضمان توزيعات أرباح للملاك فإن قرار التمويل قد يكون صعبا ويتطلب حماية من خلال رفع أسعار الفائدة، إلى هذا فإن قرارات التمويل دائما ما ترتكز إلى تقييم الأصول كما أشرنا، وفي ظل هذه الطريقة تصبح تكلفة خدمة دين مرتفعة كلما زاد حجم الديون وتنوعت، ذلك أن المصدر الوحيد للضمان هو قدرة الأصول على تحقيق إيرادات وليست الأصول نفسها أو حتى قيمتها. لكن إذا تم تطوير الرهن فإن تكلفة خدمة الدين ستنخفض إذ إن المخاطر ستكون أقل مع وجود أصول مرهونة. وعلى هذا فإن صدور مثل هذه التشريعات سيعزز من رغبة المؤسسات في الحصول على التمويل ومن ثم التوسع وتحقيق مستويات النمو الاقتصادي المستهدفة.
من جانب آخر يظهر الرهن التجاري كمحفز للمؤسسات من أجل إعداد قوائم مالية دقيقة وتقييم الأصول بطريقة عادلة، حيث إن مصداقية التقييم هي ضمانة الحصول على التمويل المرهون بأصل. وهذا يتطلب مهارات أفضل واستقطاب كفاءة متخصصة، إضافة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، وكل هذا يعزز من فرص التوظيف، فنظام الرهن التجاري محفز قوي لإنتاج فرص عمل جديدة، كما أن التوسعات التي تحقق من خلاله والنمو الاقتصادي يسهمان في إيجاد فرص عمل أكثر. ليس هذا فحسب، فسوق التمويل ستنتعش أكثر إذ إن المخاطر تنخفض مع الرهن، ومن المتوقع دخول استثمارات جديدة للسوق وفقا لهذا وأيضا جذب للاستثمارات الأجنبية بشكل واضح، فنظام الرهن التجاري كما أشارت وزارة التجارة سيسهم في تحقيق عدد من الأهداف العامة لخطة التنمية التاسعة من تحقيق للتنمية الاقتصادية من خلال تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، وتعزيز إسهامات القطاع الخاص في عملية التنمية وإسهامها في خدمة الاقتصاد الوطني، ورفع معدلات نمو الاقتصاد السعودي وكفاءة أدائه، وتحسين قدراته التنافسية في ظل مستجدات الواقع العالمي، وتوفير بيئة اقتصادية محفزة ومرنة قادرة على التنافس في عالم متغير، إضافة إلى تطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي