3 أولويات للاقتصاد العالمي «5»

ليس إطلاق هذه الإمكانات بالمهمة السهلة. فهو يتطلب مزيدا من الاستثمار العام في التعليم والتدريب والمساعدة في البحث عن فرص عمل، كما يعني فتح قطاعات الخدمات أمام مزيد من المنافسة.
وهناك ما ينبغي القيام به على مستوى العالم أيضا. فنحن في حاجة إلى زيادة التجارة في الخدمات، بما في ذلك التجارة الإلكترونية، عن طريق تخفيض الحواجز في هذا المجال ـــ وهي حواجز لا تزال شديدة الارتفاع.
أما العامل الثاني الذي يمكن أن يحدث تغيرا جوهريا فهو التحول إلى الحكومة الرقمية.
ويمكن للقطاعات العامة أن تقود المسار في تطبيق أحدث التكنولوجيات والأنظمة ـــ ونحن نرى أمثلة رائعة هنا في آسيا:
ـــ ففي الهند، يتلقى المواطنون دعما وإعانات اجتماعية تودع مباشرة في حساباتهم المصرفية التي ترتبط بمحددات متفردة للهوية على أساس المقاييس الحيوية.
ـــ وفي أستراليا، تجمع السلطات الضريبية معلومات الأجور في الوقت الحقيقي، ما يتيح لها رؤية فورية لحالة الاقتصاد.
ـــ وهنا في هونج كونج، سيصبح بإمكان عملاء المصارف قريبا أن يستخدموا أرقام هواتفهم المحمولة وعناوين بريدهم الإلكتروني لتحويل الأموال أو الشراء من متاجر التجزئة، بفضل نظام دفع جديد تموله الحكومة.
هذه المبادرات ما هي إلا البداية، فالحكومات عبر العالم تبحث الآن السبل الممكنة لتحسين الكفاءة.
على سبيل المثال، تقدر دراسة صدرت أخيرا أن قرابة 20 في المائة من الإيرادات العامة على مستوى العالم، أو نحو خمسة تريليونات دولار أمريكي، تفقد كل عام بسبب عدم الامتثال الضريبي والمدفوعات الحكومية التي تتخذ وجهة خاطئة.
وباستخدام الأدوات الجديدة ـــ كتحليل البيانات الكبيرة ـــ يمكن للحكومات تخفيض هذه التسربات، التي غالبا ما ترتبط مباشرة بالفساد والتهرب الضريبي. ومن شأن تخفيض التسربات أن يمكن البلدان من زيادة الإنفاق على البنود ذات الأولوية.
خلاصة القول إن الحكومة الرقمية يمكن أن تقدم الخدمات العامة بدرجة أكبر من الكفاءة والفعالية، وتساعد على تحسين حياة المواطنين.
فكروا معي في هذا الأمر: إن عدد الأسر التي أصبحت تستخدم التكنولوجيا الرقمية ـــ كالإنترنت والهواتف الذكية ـــ في البلدان النامية تجاوز عدد الأسر التي تحصل على المياه النظيفة والتعليم الثانوي.
إنها إمكانات هائلة للتفاعل الرقمي! لكنها تذكرة أيضا أننا نحتاج إلى تسخير التكنولوجيا بشكل فعال لتحقيق التقدم نحو تنمية أوسع نطاقا.

خاتمة
وختاما، إن أمام هذا الجيل من صناع السياسات خيار صعب:
فيمكنهم ببساطة استنساخ سياسات الماضي التي حققت نتائج متباينة – حيث رفعت مستويات المعيشة إلى حد كبير، ولكنها تركت كثيرين وراء الركب.
أو يمكنهم رسم مشهد اقتصادي جديد ـــ حيث التجارة المفتوحة أكثر إنصافا وأكثر اعتمادا على التعاون؛ وحيث النظم المالية أكثر أمانا وأكثر دعما للنمو الاقتصادي؛ وحيث منافع الثورة الرقمية ليست حكرا على قلة محظوظة وإنما يتمتع بها الجميع.
وكما قال الفنان العظيم هنري ماتيس: "الإبداع يحتاج إلى شجاعة".
ولا شك أننا نحتاج إلى شجاعة أكبر ـــ في أروقة الحكومة، وفي قاعات المؤتمرات في الشركات، وفي قلوبنا وعقولنا أيضا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي