المنافسة في عصر «أمازون»

هيمنة "أمازون" تقلب موازين القوى في قطاع النشر- نهج قد تثبت نجاعته في عديد من القطاعات الأخرى.
عند نجاح الابتكارات الرقمية في القضاء على التقنية الأقدم، يجب النظر إلى المنصات الرقمية على أنها جرافات تزيل كل ما سبقها. فمن خلال ربط المنتجين بالمستهلكين بشكل فوري ودون عناء، يمكن تغيير قطاعات بأكملها. وكأمثلة على ذلك: فقدت خدمة تكسي ميداليانس في مدينة نيويورك أكثر من نصف قيمتها خلال بضع سنوات، بسبب منافسيها "أوبر" و"ليفت". وأظهر استطلاع أجرته "مورجان ستانلي"، أن 49 في المائة من عملاء Airbnb "إير بي إن بي" يرجحون استخدام المنصات التشاركية على الفنادق التقليدية.
رغم ذلك، لا تتسبب الابتكارات الجديدة في تغييرات جذرية في جميع الحالات. ففي قطاع الموسيقى، ثبت أن التحول من التحميل الرقمي إلى خدمات البث على أنه تطور إيجابي من عدة نواح، في الوقت الذي تكافح فيه الشركات المستقلة للحصول على حيز ضمن أهم قوائم منصات البث. حيث تم تصميم المنصات لاحتواء الجميع من خلال فسح مجال أكبر أمام اللاعبين الكبار والصغار بالتساوي. لكن في الواقع، يجب أن يتمتع اللاعبون الصغار بالحنكة ليستطيعوا منافسة الشركات الكبرى المعروفة ذات الملاءة المالية.
تناولنا في ورقة عمل نشرناها أخيرا بعنوان "تطورات الإدارة الاستراتيجية"، مبيعات الكتب الرقمية لنرى إذا ما كانت الديمقراطية في المنصات الرقمية (تويتر وأمازون تحديدا بهذه الحالة) ستشكل تهديدا على عمالقة القطاع. وفي حال نجح ما ندعوه بالتسويق المكتسب ـــ في إحداث ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاركة خبرات المستهلكين ـــ في تعزيز الإيرادات مقارنة بالحملات التسويقية المدفوعة، ستتعزز مكانة تلك المنصات كلاعب أساسي. كما تناولنا أيضا كيفية إسهام المنصات المطورة لخدمة أغراض مختلفة، في إعادة رسم ملامح السوق والقطاع.
اخترنا قطاع النشر كموضوع للدراسة نظرا لتوجهين سائدين خلال السنوات القليلة الماضية. فمع نمو سوق الكتب الرقمية، انخفضت الحصة السوقية لكبرى دور النشر مثل
Hachette، HarperCollins، Macmillan، Simon & Schuster، Penguin Random House، المعروفة باسم العمالقة الخمسة. وعلى الرغم من كونه غير منطقي، لكن يبدو أن السمك الصغير (الناشرين الصغار) يأكل الحصة الأكبر. ارتأينا أنه في حال وجود رابط بين بروز الكتب الرقمية وتراجع حصة العمالقة الخمسة سيكون له بشكل ما صلة لأمازون بذلك ـــ أكبر منصة تجزئة لبيع الكتب الرقمية الصادرة باللغة الإنجليزية.
بدأت "أمازون" ثورة في مجال النشر الذاتي من خلال وحدة كيندل للنشر المباشر. فالمنصة التي تم طرحها في 2007 إلى جانب قارئ كيندل الرقمي Kindle e-reader. توفر للمؤلف، بغض النظر عن قدراته، إمكانية بيع كتبه الرقمية بشكل مباشر عبر "أمازون"، على غرار الناشرين المهمين. فقد ولت الأيام التي كان فيها المؤلفون المستقلون يكافحون لوضع كتبهم على أحد رفوف الكتب.
لا يعتبر أسلوب النشر الذاتي الذي توفره "أمازون" طريقة أفضل وحسب، ولكن بإمكانه أن يكون أكثر ربحية من العمل مع العمالقة الخمسة: يحتفظ المؤلف المستقل في "أمازون" بحصة تعادل 70 في المائة من الأرباح مقابل نحو 23 في المائة في حال عمله مع إحدى الشركات الخمس الكبرى. كما يعطي النشر المباشر عبر "أمازون" إمكانية متابعة المؤلفين لمبيعاتهم دون الحاجة إلى الانتظار ستة أشهر للحصول على بيان الملكية.
بطبيعة الحال، لا يكون للشروط المالية الملائمة أهمية تذكر في حال عدم القدرة على بيع كتاب بسبب هيمنة الشركات الخمس العملاقة. ويمكن لآراء العملاء على وسائل التواصل الاجتماعي و"أمازون" أن توفر فرصا متساوية بشكل يضمن حصول جميع الكتب الرقمية على جمهور أوسع.
ولمعرفة إذا ما كانت المنصات الرقمية تغير موازين القوى في قطاع النشر، قمنا بتحليل مبيعات "أمازون" للكتب الرقمية خلال سبعة أرباع مالية، إلى جانب أنشطة "تويتر" وتقييمات وآراء المستهلكين على "أمازون" خلال الفترة نفسها.
أكدت نماذج بياناتنا عدة أنماط بشكل متكرر. أولا: عدد تقييمات المستهلكين على "أمازون" ـــ ولا سيما التقييمات ذات الخمس والأربع نجوم ـــ لها تأثير كبير في مبيعات الناشرين الصغار والمستقلين مقارنة بالعمالقة الخمسة. فبالنسبة إلى الكتب التي تحمل عناوين مألوفة، يبدو أن العملاء يتجاهلون التقييمات الإيجابية لعدم جدواها، بدلا من اعتمادها كمرجعية ذات مصداقية للشركات الخمس العملاقة.
أظهرت النتائج بشكل متكرر التأثير المباشر لحجم التغريدات في مبيعات الكتب، ولكن بشكل أقل مقارنة بتقييمات "أمازون". وتبين عدم وجود تأثير للآراء الإيجابية والسلبية في "تويتر" في المبيعات، عكس "أمازون". فتنوع الآراء على "تويتر" يؤثر في المبيعات بشكل أكبر من الآراء التي تميل لإعطاء تأثير إيجابي فقط.
على العموم، يبدو أن كلا من "تويتر" و"أمازون" تلعبان أدوارا مختلفة على طول رحلة شراء المستهلك للكتب الرقمية. فغالبا ما يستخدم "تويتر" كمنصة للاكتشاف في حال حاز العنوان اهتمام القارئ ومن ثم الآراء المطروحة. وبمجرد أن يحظى الكتاب بالاهتمام، يتحول العميل المحتمل إلى "أمازون" للحصول على مزيد من المعلومات حول الكتاب. وفي حال وجود تقييمات إيجابية، من المحتمل القيام بعملية الشراء. بالتالي، فإن تأثير "تويتر" في عملية بيع الكتب الرقمية ـــ كمرحلة أولية في رحلة العميل ـــ أكثر أهمية مما تشير إليه نتائجنا، ولكن لا يمكن تحديدها بسهولة.
أصبحت التأثيرات الشاملة واضحة تماما عند مقارنتنا مزايا البيع التي يتيحها حجم الناشر (ابتداء من الشركات الخمس الكبرى إلى دور النشر المستقلة) إلى المزايا الأخرى التي توفرها التقييمات على "تويتر" و"أمازون". أظهرت البيانات أن مبيعات الكتاب المنشور بشكل مستقل والحاصل على عديد من التقييمات الإيجابية على "أمازون" قد تتفوق على آخر تنشره إحدى دور النشر الكبرى الخمس ولا يوجد تقييمات عنه.
نريد أن نوضح أن أعدادا محدودة من الكتب المنشورة ذاتيا عبر "أمازون" ستلقى رواجا كبيرا. ومع ذلك، فمن المرجح استمرار انخفاض الحصة السوقية للشركات الخمس العملاقة، ولا سيما بفضل المزايا العديدة التي توفرها كل من "أمازون" ووسائل التواصل الاجتماعي. وسيتعين على الشركات الخمس الكبرى النمو بشكل أسرع لتستطيع التكيف ولا يعتبر ذلك بالمهمة السهلة، نظرا لكبر حجمها والبيروقراطية المترسخة فيها.
من جهة أخرى، كلما قلت هيمنة تلك الشركات، تزداد احتمالية خسارتها لمواهب لمصلحة أسلوب النشر الذاتي ودور النشر الصغرى. وجدنا خلال فترة الدراسة تحول 7 في المائة من المؤلفين المتعاملين مع تلك الشركات، إلى دور نشر أصغر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي