ليلة مختلفة في ناد أدبي

بين فترة وأخرى أتلقى دعوات متنوعة من الأندية الثقافية للمشاركة في الأمسيات والحوارات التي تقيمها، وغالبا أعتذر عن كثير منها لضيق الوقت ولنمطية المحتوى المقدم، وهذا من أسباب العزوف الجماهيري الذي طال أغلب مناشط الأندية الأدبية أخيرا، لكن الأمر كان مختلفا بالنسبة لي في مساء الأربعاء الفائت، حيث دعاني النادي الأدبي بالطائف لتدشين مبادرة ثقافية واعدة، وقد لفت نظري الحضور الجماهيري الكبير الذي كان أغلبه من الشباب إضافة إلى تنوع اهتمامات الحضور من رجال أعمال واقتصاديين ودعاة وأكاديميين وغيرهم. إضافة إلى المشاركة الفاعلة للمرأة من خلال القسم النسائي المكتظ بالحاضرات، وهذا بالنسبة لي أمر غير مألوف، حيث اعتدنا على اقتصار هذه الفعاليات على النخب الثقافية، أما مفاجأة الحفل فكانت نخبة واعدة من الشباب في المرحلة الجامعية استطاعوا تكوين فريق شبابي ثقافي طموح لإطلاق مبادرة "إثراء" التي تعنى بنشر "ثقافة القراءة" وتعزيز المعرفة بين أفراد المجتمع عبر استراتيجية جماهيرية متخصصة تستهدف كل فئات المجتمع، وتقدم برامج وورش عمل في دورات القراءة السريعة، والخرائط الذهنية، ودورات في الكتابة والتأليف، ودورات في تكوين المثقف القارئ، ودورات في الخط الجميل، وموسيقى العيون، إضافة إلى الأمسيات والديوانيات والملتقيات الشهرية، وبرنامج متخصص بعنوان "تساؤلات الشباب" يهدف إلى حل أسئلة الشباب الثقافية، كما تعمل المبادرة على برنامج لمعارض للكتب المسموعة كفكرة جديدة تلبي رغبة عشاق الكتاب المسموع، وبرنامج آخر عنوانه "كتاب ومؤلف تحت النقاش والنقد" وهو برنامج يستضيف بعض رموز التأليف مع مؤلفاتهم،
كما يعقد أعضاء الفريق جلسات منتظمة لتقوية روابط الألفة مع الكتاب لمناقشة المؤلفات والأطروحات الجديدة التي تثري الحراك الثقافي والمجتمعي، وقد عرض أعضاء الفريق من الجنسين هذه البرامج بشكل متميز ينم عن تمكن ولهفة وتعطش للمعرفة. وتسابقوا في استعراض مهاراتهم اللغوية والمعرفية والتقنية في جو مبهج ومثير للدهشة ولم تقف المفاجآت عند هذا الحد، فقد كانت "الغرفة التجارية بالطائف" حاضرة بدعمها لهذه المبادرة وبحضور "رئيس الغرفة" شخصيا الذي أعلن عن تدشين شراكة جديدة لخدمة النادي عنوانها "المال في خدمة الثقافة".
لقد كان النادي الأدبي بالطائف مختلفا جدا في تلك الليلة وخارجا عن المألوف، كانت روح الشباب طاغية في كل شيء بدءا من المثقف الشاب عطا الله الجعيد رئيس النادي الذي كان يصافح كل المدعوين بابتسامته العفوية ويشرح بإسهاب كل برامج ومبادرة قدمها النادي خلال السنوات القليلة السابقة، فهناك مئات المؤلفات المطبوعة، وعشرات المعارض الفنية، وأمسيات ومحاضرات، وبرامج تكريم، وشراكات اجتماعية مع مختلف المؤسسات التعليمية والاقتصادية.
وكم تمنيت أن تخرج بقية الأندية من عزلتها وتشارك مجتمعها بمثل هذه المبادرات والبرامج التي تشكل قيمة مضافة للحراك الثقافي والاجتماعي، فالتعطش للمعرفة ما زال واضحا، ولكن الفرق في الكفاءات التي تصنع الدهشة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي