default Author

دور أكبر لسياسة المالية العامة «2 من 2»

|

ينبغي للاقتصادات التي تشهد تراخيا اقتصاديا محدودا وبوادر ضغوط تضخمية أن تبادر عموما بسحب دعمها المالي الحالي حتى تعيد بناء احتياطياتها الوقائية. وفي الولايات المتحدة، حيث يقترب الاقتصاد من مستوى التشغيل الكامل، يمكن بدء عملية الضبط المالي في العام القادم لوضع الدين على مسار تنازلي مطرد. وفي الصين، نظرا لمستويات التشغيل القوية والزيادة المتوقعة في التضخم، ينبغي تخفيض عجز المالية العامة "المجمع" على المدى المتوسط لدعم عملية استعادة التوازن في نموذج النمو الاقتصادي، مع إعادة توزيع موارد المالية العامة لتتحول من الاستثمار العام الخارج عن الميزانية إلى الإنفاق المدرج في الميزانية والموجه إلى المساعدات الاجتماعية والتعليم والصحة. غير أن استخدام سياسة المالية العامة بمرونة لتثبيت الدورة الاقتصادية لا يسهل تحقيقه في كل الحالات. ففي بعض البلدان، هناك ما يدعو إلى التقشف المالي بغض النظر عن الأوضاع الدورية لضمان الحفاظ على صلابة المالية العامة في مواجهة الصدمات الكبيرة (كما هو الحال في البلدان المصدرة للسلع الأولية) أو استعادة ثقة السوق.
سياسة المالية العامة ينبغي أن تكون مواتية للنمو: يمكن استخدام إجراءات الضرائب والإنفاق كأدوات هيكلية لدعم المحركات الثلاثة للنمو طويل الأجل، وهي رصيد رأس المال المادي، والقوى العاملة، والإنتاجية (لكن أثر هذه الإجراءات في النشاط في الأجل القريب قد يعتمد على الأوضاع الاقتصادية ككل). ولا تزال هناك دواع قوية لزيادة الاستثمار العام في كثير من البلدان نظرا لانخفاض تكاليف الاقتراض ومواطن الضعف الكبيرة في البنية التحتية، وإن كانت دقة اختيار المشاريع والإدارة والتقييم من المفترض أن تضمن كفاءة الاستثمار أيضا. ويمكن تعزيز الاستثمار الخاص من خلال نظم ضرائب الأعمال الأكثر دعما للنمو التي تهتم بفرض الضرائب على الكسب الريعي والحد من ممارسات الإدارة الضريبية المرهقة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يمكن أن يساعد إصلاح ضرائب الشركات على تنشيط ديناميكية الأعمال واستثماراتها. كذلك ينبغي أن تواصل البلدان جهودها من أجل تهيئة بيئة أفضل لإيجاد فرص العمل – في الاقتصادات المتقدمة عن طريق تخفيض ضرائب العمل حيثما كانت مرتفعة وتكثيف استخدام سياسات سوق العمل النشطة واعتماد إجراءات للإنفاق موجهة للمجموعات محدودة الدخل، وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عن طريق تحسين فرص الحصول على الرعاية الصحية والتعليم. وتحتاج كل البلدان تقريبا إلى دعم مشاركة الإناث في سوق العمل. وبالنظر إلى الإنتاجية، هناك مجموعة من السياسات يمكن أن تدعم الابتكار، ومنها الإجراءات الضريبية التي تحد من سوء توزيع الموارد على الشركات (راجع ملخص الفصل الثاني).
سياسة المالية العامة ينبغي أن تعمل على احتواء الجميع: أسهم الاندماج الاقتصادي العالمي والتغير التكنولوجي في النمو والرخاء الاقتصاديين، حيث انتشلا مليار نسمة من هوة الفقر منذ الثمانينيات. ولكن المكاسب التي تحققت على المستوى العالمي لم تصل في كل الأحوال إلى جميع السكان داخل بلدانهم. ففي الاقتصادات المتقدمة، على سبيل المثال، زاد أعلى 1 في المائة من الدخول بمعدلات سنوية تقارب ثلاثة أضعاف الزيادة في دخول بقية السكان على مدار الـ 30 عاما الماضية. ويمكن أن تسهم سياسة المالية العامة بدور مهم في ضمان وصول ثمار النمو إلى الفقراء والطبقة المتوسطة. ومن التحديات في هذا الصدد تحديد الأدوات التحويلية والضريبية التي تشجع احتوائية النمو، مع إيجاد حوافز سليمة للاستثمار والعمل. فعلى سبيل المثال، يمكن التوسع في برامج التحويلات النقدية المشروطة – كالتي تُصرف إلى الأسر الفقيرة شريطة أخذ الأطفال إلى العيادات الصحية والتحاقهم بالمدارس – في عدد من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. كذلك تساعد سياسات المالية العامة الاحتوائية على إشراك السكان إشراكا كاملا في الاقتصاد المتغير والتكيف معه، من خلال تحسين فرص الحصول على خدمات تعليمية وتدريبية وصحية عالية الجودة، إضافة إلى التأمينات الاجتماعية.

إنشرها