الاستحواذات بين الفشل والنجاح وشبهة الفساد

هنالك عدة طرق لنمو أعمال ومبيعات الشركات، إما بالطريقة الطبيعية وهي نمو داخلي من أعمال الشركة أو نمو خارجي يتحصل عن طريق الاستحواذ. ويلاحظ أن كثيرا من إدارات الشركات تلجأ إلى التوسع عن طريق الاستحواذ وخصوصا في العقد الأخير شهدنا عدة استحواذات من قبل شركات سعودية سواء استحوذت على شركات داخل السعودية أو خارجها على أمل أن تحقق هذه الاستحواذات الأهداف المرجوة منها لتعظيم أرباح الشركة في نهاية الأمر، لكن ليس كل الاستحواذات لها طابع توسعي بشكل مباشر فقد تكون استراتيجية كي تخرج منافسا محتملا، أو لتستحوذ على تقنية معينة وغيرها من أسباب تختلف من شركة إلى شركة.
في وسط زخم الاستحواذات، هنالك فرصة كبيرة لعمليات مشبوهة يتم فيها تغليب المصالح الشخصية وتحقيق مكاسب وعمولات ضخمة للإدارات المعنية والمتفاوضة، فما هو أفضل من الاستحواذ لتحقيق عمولات لا يمكن أن يحصلها من كان خلفها أو من هندسها من رواتبه ومكافآته، أما كيف يمكن أن تحدث فدعني أيها القارئ أخبرك ببعض طرقهم. يطلب من الإدارة التنفيذية طوال الوقت البحث عن فرص وتطوير الأعمال وتعظيم قيمة الشركة، إذن يوجد دائما الدافع للبحث عن الفرص وجلبها ومن هنا تذهب الإدارة التنفيذية للبحث والتفاوض مع شركات قابلة للاستحواذ، وفي الغالب هي أقل قيمة بكثير من الشركة المستحوذة. عندها تجلس الأطراف المتفاوضة وتناقش الأسعار، هنا تظهر شطارة المفاوض وذكاؤه في قراءة الوضع فقد يضغط الطرف المستحوذ في السعر حتى ينجح ويقبل الطرف الآخر به. بعدها يعرض عليه البيع بسعر أعلى شريطة أخذ حصة من المبلغ له شخصيا وفي العادة تكون كبيرة، فلو فرضنا أن المستحوذ ضغط القيمة إلى 25 مليونا وقبل بها الطرف الآخر، بعدها يبدأ التفاوض على النسبة لمصلحة الشخص المفاوض حيث يعرض رفع القيمة إلى 32 مليونا مثلا، بمعنى إعطائه سبعة ملايين زيادة على ما تم الاتفاق عليه على أساس أنه يستطيع إقناع المجلس بواقعية الرقم، ويطلب خمسة ملايين تحول لمصلحته مقابل أن الطرف الآخر ستزيد قيمة ما سيتسلمه فعليا من 25 مليونا إلى 27 مليونا. بكل تأكيد سيرى الطرف الآخر أنها صفقة رابحة خصوصا أنه كان قد قبل بالـ 25 مليونا. أما ما يتعلق بالفحص النافي للجهالة والتقييمات، فمع الأسف يمكن التلاعب به في ظل ضعف نظم الحوكمة وتضارب المصالح وعدم التدقيق من طرف آخر على التقييم والفحص. ولعل من أبرز عوامل نجاح هذه الصفقات المشبوهة هو صغر حجمها بالنسبة لحجم الشركة بحيث لا يتم التدقيق فيها بشكل قوي، أو إذا الصفقة حدثت لشركة في بلد آخر "خارج المملكة" بحيث يصعب على المتابعين معرفة القيمة الحقيقية لها وعن حجمها.
بنظرة أكثر شمولية، هنالك حول العالم كثير من عمليات الاستحواذ تجرى باستمرار وبمبالغ ضخمة وأغلبها يجرى في الولايات المتحدة وبمبالغ تتجاوز تريليوني دولار وبشكل متوقع نحو الربع يتمركز في قطاع التقنية حسب تقرير من «ديلويت»، لكن المفاجأة أن نسبة الفشل في هذه الصفقات تراوح بين 70 في المائة إلى 90 في المائة حسب دراسة لمجلة «هارفارد بزنس رفيو»! وهذه النسبة مرعبة وكبيرة، طبعا للسوق الأمريكية التي هي أكثر انضباطا وصرامة من الحوكمة الموجودة لدينا، وأنا هنا أتساءل عن نسبة الفشل في الاستحواذات المنفذة من شركاتنا؟ الحقيقة لا أعلم لكن أتمنى معرفة الجواب وخصوصا في هذا الوقت بسبب توقعي الشخصي لنمو صفقات الاستحواذات في المنطقة بشكل كبير خلال السنوات القادمة بسبب التغيرات الاقتصادية والتقنية.
أتمنى ألا يفهم من كلامي أنني أتهم جميع الاستحواذات بالفساد فهذا خاطئ تماما، وفي الوقت نفسه ليس كل استحواذ فاشل يحمل شبهة فساد فهنالك عشرات من الأسباب التي تسبب فشل الاستحواذ، وهنالك كثير من الدراسات حول ذلك، ولعلي أكتب عنها في مقال منفصل، المهم في الموضوع أن نسبة الفشل "سواء كانت بسبب فساد وتغليب مصالح شخصية أو بسبب سوء تقدير أو غيره"، عالية وتستدعي التأكد قبل الإقدام على عملية الاستحواذ من جميع الجوانب "مالية وإدارية وبشرية وأنظمة وسوق" وأنها ناجحة، وهنالك شواهد لعمليات استحواذ كانت ناجحة بجميع المقاييس وقادت الشركات إلى تحقيق نمو كبير في أعمالها.
ختاما، أتمنى وضع ضوابط أكثر صرامة لعمليات الاستحواذات والاندماجات لتقليل حدوث فساد وتغليب مصالح ومنافع شخصية فوق منفعة الشركة عبر الزج بها في صفقات فاسدة وغير مجدية، أو في بعض الحالات صفقات خاسرة تماما لأجل مبالغ تؤخذ بطرق غير مشروعة يتحصل عليها من أدار ونفذ العملية أو بسبب الاستعجال على النمو وتحقيق أرقام تتوافق مع طموح المساهمين بطريقة غير مدروسة، إذن الاستحواذ أداة من ضمن عدة أدوات بيد الإدارات التنفيذية، نحكم عليها حسب حسن استعمالها وبمهارة من يستعملها قد تقود الشركة إلى النجاح أو إلى الخسائر لا سمح الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي