أبناؤنا فريسة البث المرئي

أصبحت وسائل الإعلام المتعددة كما ونوعا من أهم أدوات بناء وتشكيل الشخصية البشرية في عصرنا الحالي، وفي منطقتنا بالذات أصبحت أكثر خطرا بسبب عدد من العوامل من أهمها قلة وجود الإعلام المبني على استراتيجية مجتمعية تهدف لبناء مجتمعات متحضرة استنادا إلى إرث ديني وثقافي. أيضا من الأسباب عدم وجود فكر أو رغبة استثمارية تهدف للبناء القيمي للمجتمع قبل تحقيق الأرباح، كما أن من الأسباب التي أراها منتشرة وجود إعلام لا يجاري الأدوات المتقدمة التي تأسر الألباب والعقول، وهو الأمر الذي أتاح الفرصة للكثير من الإعلام المرئي الذي لا يخضع للرقابة لبث أفكاره المضادة وسمومه في مجتمعاتنا.
في عام 2015 أصدر اتحاد إذاعات الدول العربية تقريرا يبين أن عدد القنوات الفضائية التي تبث عن طريق هيئات عربية عامة أو خاصة قارب 1400 قناة تلفزيونية بين حكومية وخاصة. كما أشارت بعض التقارير إلى أن نسبة مشاهدة التلفزيون مرتفعة في العالم العربي ففي شهر رمضان فقط بينت أن الفرد يقضي ما بين ثلاث إلى خمس ساعات يوميا في مشاهدة البرامج التلفزيونية. وتعتبر المملكة من أعلى الدول في نسبة المشاهدات ، ما جعلها هدفا تسويقيا تجاريا بعيدا عن القيم والمعارف والفوائد.
حول العالم تقول شبكة يوتيوب YouTube إن عدد المسجلين المستخدمين لشبكتها يتجاوز مليار مستخدم يقضون يوميا مئات الساعات في مشاهدة مقاطع الفيديو، وإن أكثر من نصف تلك المشاهدات تأتي من أجهزة الجوال.
عند الاطلاع على المعلومات السابقة لا بد أن يتبادر للذهن الاستفسار عن تأثير تلك القنوات والوسائل المتعددة في التربية، وكيف أسهمت في غرس كثير من السلوكيات والمعتقدات المنحرفة التي أخرجت لنا جيلا متأثرا بفكر المنظمات والجماعات الإرهابية المنحرفة. كما أسهمت في غرس كثير من الممارسات والعادات المنحرفة والانسلاخ من القيم والأعراف المجتمعية. كثير من وسائل الإعلام تلك حملت لنا دورا سلبيا في التعليم، جعل النشء لا يهتم إلا بسفاسف الأمور على حساب القيم.
التجارب المتقدمة في ضبط الإعلام ووسائله وتوجيهه إلى البناء المجتمعي والقيمي عديدة. ومن الأمثلة على ذلك قنوات "بي بي سي" المتخصصة للأطفال. وسن الأنظمة التي تساند المشاهدين والأسر في اختيار ما يناسب الفئات العمرية المختلفة، وتوزيع البرامج على أوقات تلائم كل فئة، مع إطلاق التحذيرات والتنبيهات التي تحترم حقوق كل فئة عمرية وتساند في توجيه المحتوى الملائم فقط بعيدا عن الربحية والمادية.
سابقا كان الإعلام أداة مساندة في بناء القيم، ومساعدا على إيصال الرسالة التعليمية والتنويرية. ويمكن أن يظل كذلك متى ما وجدت الخطة الوطنية والقومية لتحقيق الفائدة من الإعلام في تنشئة أجيال المستقبل. وهذا يأتي من خلال الحكومات أولا لتوجيه المحتوى بعيدا عن الفكر التجاري الذي يهدف لتحقيق الفائدة المالية فقط.
الإعلام في حاجة إلى مزيد من الدراسات الموجهة من خلال مراكز البحث المتخصصة، لجعل الإعلام المرئي أداة بناء وتوجيه مجتمعي، وأداة تعليم متقدم، ومجالا للشراكات المجتمعية مع القطاعات الخاصة التي يمكن أن تسهم مع مؤسسات القطاع الثالث في بناء توجهات إعلامية بناءة. فالإعلام الجيد أداة بناء وتنوير والإعلام السيئ أداة هدم وتفريغ للعقول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي