Author

روح الاعتدال.. السعي نحو تفكيك التطرف

|

ما الاعتدال وكيف نفهمه؟ نتساءل عنه ونحاول فهمه وإدراكه، وتطبيقه، ونعاود التساؤل عنه مرات ومرات سعيا لتحقيقه، فالاعتدال مفهوم يسعى الجميع لتحقيقه.
ورد في اللغة، العدل : ما قام في النفوس أنه مستقيم ، وهو ضد الجور. يأكل باعتدال تام : دون إفراط، موقف فيه اعتدال: مرونة لا تطرف فيها.
وهنا نفهم أن الاعتدال للنفس وللغير، والاعتدال يكون مع الآخرين، أو يكون في السلوك تجاه أي شيء، مثل البيئة والأنشطة، وكذلك الأماكن العامة ، والممتلكات العامة وهكذا.
تناولت اللغة كذلك الاستقامة، والاستواء والتزكية، والتوسط بين حالين: بين مجاوزة الحد المطلوب والقصور عنه، كما يعرف على أنه الاقتصاد والتوسط في الأمور، يتحدث قاموس أكسفورد أن الاعتدال أو معتدل في السياسة أو الدين وصف يطلق على شخص غير متطرف، غير حزبي أو غير راديكالي.
لكن رحلة البحث عن الاعتدال لا تخلو من فكرة البحث عن الحقيقة، فالحقيقة مرتبطة بالاعتدال وعند معرفتك بحقيقة التطرف، أو حقيقة التفريط، فإن ذلك سينعكس على فهمك ودلالتك لمفهوم الاعتدال وبالتالي سلوكك.
ولكن هل نحن معتدلون في فهمنا ومعتدلون في سلوكنا، أي ما نعرفه وندركه ينعكس حقيقة في سلوكنا دون التأثر بروح الجماهير. وهذا ما يدفعني للكتابة حول أننا في حاجة إلى روح الاعتدال الجماهيرية، أو روح الاعتدال الوطنية، وأن يكون السلوك الوطني متسما بالاعتدال، لكن كيف نفهم حدود ذلك الاعتدال، وكيف نتزن في كل ما نعمل؟
لا شك أن عوامل القانون والتشريعات مهمة جدا، والعرف الاجتماعي الذي يوسع الفهم ويزيد التقبل لا العكس، كذلك له دور، لكن المنطلقات الفردية كذلك تلعب دورا مهما، وليس هناك أهم من منطلقات المحبة والتواضع كأسس لروح الاعتدال.
تشير بعض الموسوعات في التاريخ إلى أن أرسطو فضل مبدأ "السياسة التوافقية" المنتمية إلى الوسطية عوضا عن مبدأ التطرف سواء في الثراء الشديد أو الفقر أو المصالح الخاصة لأفراد أو مجموعات أو طغاة.
يطرح الدكتور هوارد جاردنر وهو أستاذ الإدراك والتعليم في جامعة هارفارد في كلية الدراسات العليا، عقولا مهمة للاعتدال، عندما تحدث عن العقل المحترم وهو العقل الذي لا يدعي صحة كل ما يطرح ويتقبل الآراء الأخرى دون الحكم المسبق، أو رفضها، بل احترامها وتقبلها. والعقل الأخلاقي هو العقل الجمعي الذي يفكر في المجموعة والمصلحة الجمعية، دون أنانية فردية، وبالتأكيد لمثل تلك العقول دور في السعي نحو الاعتدال، ذلك الهدف الذي يجب أن نسعى له جميعا، حتى نعيش في بيئة تسامح وإخاء، لا بيئة تنفير أو تحزب أو تخوين، فإن الذي يجمع أكثر مما يشتت، ولا شك أن إحسان الظن كذلك من السلوكيات المهمة التي تساعد المسيرة تجاه الاعتدال.
والتوازن كذلك مما يجب على الإنسان أخذه في عين الاعتبار في مساع للاعتدال مصداقا للحديث: أن أبو الدرداء ــــ رضي الله عنه ـــ كان كثير العبادة والصلاة، يصوم النهار، ويقوم الليل. وذات يوم، زاره سلمان الفارسي ـــ رضي الله عنه ـــ فلما رآه يرهق نفسه بكثرة العبادة نصحه قائلا: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فلما علم الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بذلك، قال: (صدق سلمان).
يحاول خطاب الكراهية والتطرف، رفض الآخر أيا كان ويسعى لإيجاد شخص ما يعيش من أجل الفكرة ويموت من أجلها، ويستغل خطاب التطرف، العاطفة الدينية الجياشة، والتقديس الذي يحدثه بعض التابعين لبعض الشخصيات المؤثرة، التي بالتالي، تجعل البعض في درجة الأنبياء، وأحيانا أعلى من ذلك. يستغل خطاب التطرف سذاجة البعض، والأحوال الاجتماعية والسياسية والنفسية للبعض، ويستخدم ذلك الخطاب، إحداث وسائل التقنية للتجنيد، استدراجا للشباب.
لا شك إذا أن أي خطاب يدعو للتحزب ضد الغير والكراهية، خطاب غير معتدل، وأن أي خطاب كذلك يحاول تجييش الآخرين ضد حزب آخر فهو خطاب غير معتدل، فالاعتدال أن يوجد الجميع في ظل الأمن للجميع، دون الوصاية النفسية، ودون التأله على الله ـــ عز وجل. والاعتدال أن يكون للجميع مكان يستطيعون فيه العمل على التنمية والتقدم ودعم الازدهار وتنمية الأوطان وعمارة الأرض من كل الأجناس والأشكال والألوان والأفكار. وبالله التوفيق..

إنشرها