«المركزية» .. أخرت المشاريع وعطلت التنمية

هل صحيح أن الإدارة -كما قال شاهد من خبرائها- هي عبارة عن أمراض نفسية ترجمت إلى إجراءات؟ ولذا يشتكي الجميع من تعقيد الإدارة وإجراءاتها مع أنهم هم الذين نسجوا حولهم هذا النسيج وأحكموا عقده حتى لا ينفذ من خلالها إلى ما تشتهي أنفسهم بإشارات ومبررات متفق عليها.
ولو استعرضنا أمراض الإدارة لوجدنا المركزية هي داء الإدارة الأول وسرطانها وهذه المركزية تفرخ في بيئة لا يتنفس الموظف أو (يكح) فيها إلا بإذن رئيسه، ثم ينتقل هذا الموظف المرؤوس ليتولى مركزا قياديا في جهة أخرى، فيمارس على مرؤوسيه ما كان يتعرض له ويعاني منه.
والغريب أن من يعش في بيئة (مركزية) لسنوات ثم يأتي من يمنح له الصلاحيات والثقة لا يستطيع العمل أو ممارسة هذه الصلاحيات، لأن قدراته أصبحت معطلة وتعوّد على تلقي الأوامر دون مناقشة بدل إصدارها أو التنفيذ دون الرجوع إلى أحد.
ولقد سمعنا عديدا من القصص عن موظفين في جهات عاشت سنوات طويلة تحت (هيمنة) المركزية القاسية، ثم منح هؤلاء بعض الصلاحيات، فإذا هم يرجعون إلى المسؤولين في كل صغيرة وكبيرة وكأنهم لا يملكون الصلاحيات التي كانوا يطالبون بها ويتخذونها عذرا للتقصير.. ولذا فقد احتار رؤساؤهم، هل يستعيدون صلاحياتهم ويواصلون مسيرة المركزية أم لا بد من تغيير الموظفين إذا تعذر تكيفهم مع الوضع الجديد؟.. وجهة أخرى يؤمن المسؤول فيها باللجان، حتى لقد شكل خلال تسعة شهور فقط 67 لجنة، ثم وصل الأمر به إلى أن أمر بتشكيل لجنة لتقييم أعمال هذه اللجان. 
هذه مجرد نماذج لكن وبصورة عامة يمكن القول، إن داء المركزية يعصف بالإدارة في العالم الثالث بشكل عام وفي بلادنا بشكل خاص وهو من الأسباب الرئيسة وراء تعطيل كثير من الأعمال والمشاريع والأفكار التي كانت ستجعل عملية التنمية أسرع وأفضل، بل إن المركزية وسوء الإدارة عموما تشكلان حسب دراسة لأسباب تعثر المشاريع في العالم العربي نحو 80 في المائة من مجمل الأسباب.
وحيث إننا في مرحلة تحول شامل ومراجعة للأنظمة والإجراءات فإن الأمر يستدعي دراسة كيفية القضاء على المركزية أولا وإعطاء الثقة للكوادر الجيدة لإدارة الأعمال واتخاذ القرارات مع وجود الرقابة والمحاسبة بعد اتخاذ القرار وليس قبله حتى لا يخيم شبح الخوف على طبقة القياديين ومتخذي القرار ومن ثم اعتمادهم للحكمة القائلة، (لن تسأل عن قرار لم تتخذه ولكن تسأل عن القرار الذي أصدرته)، وهنا يستمر التردد والتأخير وتعطيل الأعمال وبالتالي تأثر عجلة التنمية، التي نريد أن تدور بسرعة لتدارك ما فات من سنوات انتشار داء المركزية يوم كانت الإمكانات متوافرة لعمل كثير في شتى مجالات التنمية.
وأخيرا، قال غازي القصيبي -رحمه الله- على لسان (مدير مركزي):

«أنا مركزي لا أطيق تصرفا 
 لغيري ولم يعرض علي ويعلم
ومن كان آليا فذاك مقـــــــدم
 لـــــــدي وذو الإبداع غير مقدم».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي