مشكلة تملك سكن أم مشكلة تمويل؟

هناك مشكلة سكن في المملكة لا يمكن إنكارها، والبعض يعرفها بأنها عدم قدرة بعض فئات المجتمع على تملك السكن المناسب لهم. عندما بدأنا نشعر بالمشكلة مع ارتفاع أسعار العقارات وندرة الأراضي المطورة، أنشأنا هيئة الإسكان، ثم لم تستطع الهيئة أن تضع يدها على الحل، فتم تحويلها إلى وزارة الإسكان، ثم تم ضم صندوق التنمية العقارية ليصبح تحت إشراف الوزارة، واليوم يعلن وزير الإسكان عن إطلاق هيئة للعقار، ومع ذلك بقيت مشكلة عدم القدرة على تملك السكن قائمة، والمعروض من الأراضي المطورة شحيحا بأسعار مرتفعة، والتمويل أصبح معقدا، ويبدو أننا تهنا بين مشكلة عدم القدرة على تملك السكن وتنظيم السوق العقارية وتنظيم سوق التمويل العقاري. بالطبع هذه الموضوعات مترابطة جدا ولهذا من الصعب تحريك عامل منها دون أن تتأثر باقي العوامل، فإذا أضفت إلى ذلك أن بنية التفكير الاستثماري في المملكة مبنية على أن العقار مخزن للثروة فإن ردة فعل المجتمع تعتبر عاملا إضافيا أمام أي محاولة للضغط على الأسعار. يبدو أن مشكلة السكن في المملكة غير مفهومة بتفاصيلها حتى الآن وهذا يجعلنا أمام متاهة من الحلول التي تبتكرها وزارة الإسكان، وفي المؤتمر الصحافي الأخير لوزير الإسكان تم الإعلان عن بدء تخصيص منتجات سكنية متنوعة لـ280 ألف مستفيد في جميع أنحاء المملكة ضمن حملة "سكني"، منها 120 ألف وحدة سكنية جاهزة وتحت الإنشاء، وتوزيع 75 ألف أرض سكنية، وإصدار 85 ألف رقم جديد لـ "صندوق التنمية العقارية". وللحقيقة فإن إعلانا مثل هذا لا يمكن قراءته بشكل صحيح ضمن السياق، فالوزارة لم تعلن بشكل صريح عدد الذين سيحصلون على السكن. هناك 120 ألفا منهم سيحصلون على سكن جاهز ومنهم من سيظل ينتظر الإنشاء، وباقي الرقم المعلن ليس أكثر من أراض تحتاج إلى بناء أو مجرد أرقام انتظار. مثل هذا التصريح الذي تقدمه الوزارة لن يساعد على الحل.
وفي المؤتمر الصحافي نفسه ظهر صندوق التنمية العقاري بثوب جديد وهو يقدم وحدة للعلاقات مع المصارف التجارية، تهدف إلى دراسة العلاقة بين المواطن والجهة المقرضة - مصرف أو شركة تمويل عقاري – إذ ستعمل على متابعة الطلبات لدى المصارف من قبول، أو رفض وكذلك إجراءات رفع نسب الفوائد أو وجود رفع لنسب الفوائد بشكل غير منطقي. والسؤال الذي يثير الفضول عن هذا الدور الجديد للصندوق: هل هو إشرافي على المصارف، أو مجرد علاقات عامة؟ وما الحلول إذا تم رفع الفوائد من قبل مؤسسة النقد؟ ومهما كانت الإجابات فكيف لهذه الوحدة أن تقدم حلا للمشكلة الأساس وهي عدم القدرة على تملك السكن؟
يجب أن ندرك أن مشكلة عدم تملك العقار ليست مرتبطة بمسألة التمويل، مشكلة التمويل قضية مختلفة تماما. يجب ألا ننجرف وراء المستجدات على الساحة العقارية، فالمشكلة تغلف بعضها بعضا حتى تصبح المهام الأساسية للعمل مجهولة تماما، عندما تم إنشاء صندوق التنمية العقارية، كان يهدف إلى تمويل بناء السكن، حيث كان على المواطن الحصول على الأرض بطريقته الخاصة إما من خلال الشراء المباشر أو من خلال المنح الحكومية في المخططات التي تطورها الأمانات، لكن عندما ارتفعت أسعار الأراضي فشل المواطن في الحصول على الأرض وبالتالي الحصول على قرض. المشكلة ليست في التمويل، بل في استمرار ارتفاع الأراضي الجاهزة للبناء. برامج التمويل على تنوعها لن تقدم سوى حلول مؤقتة ولفئة محدودة من المجتمع وستبقى المشكلة الأساس قائمة.
يجب أن تعود وزارة الإسكان إلى لعب دور موفر الأراضي الجاهزة للبناء الذي قامت به الأمانات في فترة سابقة، ويجب أن يعود صندوق التنمية العقارية لدوره الأساس في إقراض المواطن مباشرة. هذا هو الفعل الحقيقي الذي سيغير وجه المشكلة تماما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي