لماذا لا يطبق نظام البصمة على القياديين أيضا؟

تطرقت إلى موضوع البصمة في مقال الأسبوع الماضي ولم أتوقع هذا الهجوم المنظم من قبل البعض حيث أظن أن أغلبيتهم يشغلون مواقع قيادية لم تلمس أناملهم الناعمة المساح الضوئي في جهاز البصمة الذي أحضروه لتتبع تحركات وسلوك الموظفين والعاملين ومن في حكمهم. وبعد قراءتي للتعليقات على المقال في موقع الصحيفة الإلكتروني ورسائل البريد الإلكتروني تساءلت: لماذا هذا الهجوم على من ينتقد أسلوب البصمة في رقابة الموظفين؟ ولماذا يقومون بالتشكيك في الأضرار المرئية وغير المرئية لهذا الأسلوب الرقابي المشبوه؟ فالبيانات التي دعمت بها وجهة نظري في مقال الأسبوع الماضي منشورة في صحفنا الرسمية وليست توقعات أو ظنونا بل تقارير طبية منشورة في الصحف السعودية الرسمية من أطباء معروفين واستشاريين في الجلدية لا يمكن الطعن فيها أو تأويلها أو قياس مصداقيتها.
وكنت أود أن أكمل عرض الأضرار غير المرئية لتطبيق نظام البصمة والحيل التي يمارسها الموظفون والموظفات لتعطيل أنظمة البصمة. ولكنني ارتأيت أن أؤجل هذا وأبحث في الأسباب التي أثارت غضب بعض المديرين في منظماتنا والهجوم الشرس على مقالي الأسبوع الماضي بسبب نقدي لنظام البصمة المعمول به في كثير من الدوائر الحكومية وقطاع الأعمال.
أول سبب أراه وراء غضب بعض القيادات في بعض المنظمات من نقد عمل نظام البصمة يتمثل ـــ فيما أظن ــــ أنهم عولوا على هذا النظام كثيرا وصرفوا مبالغ كبيرة في جلبه كجهاز رقابي لموظفيهم ويخشون فشله، بل أظنهم متأكدين من فشله ولا يريدون تسليط الضوء عليه حتى لا تتضح سوءته فيظهر فشلهم أمام موظفيهم وأمام الجهات الرقابية الأخرى.
كما ظهر لي أن هناك جهلا إداريا مطبقا حينما يختزل أداء الموظف في الحضور والانصراف. فهم يرون أن الموظف طالما هو موجود وتحت نظرهم فهذا يكفي ولهذا هم يتسابقون على إثبات وجوده. وهذا فهم عقيم، وخلل إداري جسيم، وبعد عن الإدارة العلمية. فحضور الموظف ووجوده لا يدل البتة على إنجازه ولن تستطيع أن تجبره على العمل بكامل طاقته طالما يرى نفسه سجينا وليس موظفا ومتهما وليس بريئا، ومقيدا وليس حرا. وأنا لم أستطع أن أفهم كيف تقيس إنتاجية موظف لمجرد أنه يبصم في الغدو ويفعل مثلها في الآصال.. ما لكم كيف تحكمون؟!
وهناك سبب آخر لهذا الهجوم الشرس على من ينتقد نظام البصمة وهو الربط بين التطور الإداري والتقنية. فهم يرون أنه طالما تم توظيف التقنية في المجال الإداري والتنظيمي دل ذلك على قفزة في مجال التنمية الإدارية. فمجرد الانتقال من توثيق حضور الموظفين كتابيا إلى توثيق حضورهم باستخدام التقنية عن طريق البصمة يظنون أنهم قد أتوا بما لم تأت به الأوائل وأنهم استطاعوا قياس أداء وإنجاز موظفيهم بكل دقة. وأود أن أقول لهم إن هذا خلل في الفكر الإداري لمنظماتنا وقصور في الفهم ونقص معرفي هائل يتنافى مع النظريات والنماذج الإدارية المؤصلة في أدبيات الإدارة والأعمال.
حتى نخرج من هذا الجدل ونصل إلى كلمة سواء ويدرك هؤلاء القياديون خطر ما يفعلون أن يقوموا هم بالتبصيم كما يفعل الموظفون. نريد طالما أن المديرين في المنظمات الحكومية والأعمال يرون نجاح عمل البصمة وأن هذا إنجاز حضاري، أن يتم يطبق نظام البصمة عليهم هم أيضا. عندما يقوم مدير الإدارة وكل من يشغل عملا قياديا بالتبصيم صباحا ويفعلون الأمر نفسه عند خروجهم مساء كما يفعل موظفوهم، فهل يا ترى يستمرون في نقدهم وهجومهم على من يطعن في نظام البصمة؟ هل يا ترى سيبقى هؤلاء يقولون "إن البصمة رادع لكل مستهتر وإنها الخيار الصحيح للانضباط"؟ هل سنظل نسمع من يقول "إن العالم المتطور تجاوز النقاش في مسألة البصمة وإنها أصبحت من المسلمات" ويرى أن هذا نقاش بيزنطي لا طائل من ورائه؟
عندما تطبق البصمة على المديرين فأظنهم سيجمعون أمرهم صفا واحدا ليجتثوا هذا المارد الذي أحضروه بأنفسهم وأسكنوه مراكز الصدارة في منشآتهم بل ويدافعون عنه كما يدافعون عن فلذات أكبادهم. عندما يتم تطبيق البصمة على القياديين وكبار الإداريين فأظنهم سيعلنونها حربا لا تبقي ولا تذر على البصمة وعلى من ابتكرها وعلى من أتي بها وسيفعلون كل ما في وسعهم ولو اضطروا إلى تحريم العمل بالبصمة ويرون وجودها بدعة يستحق من أتى بها إلى بلاد المسلمين اللعنة والثبور.
أعود فأقول إن نظام البصمة المعمول به في بعض المنظمات لا يليق البتة بموظفي الدولة وقطاع الأعمال لأنهم (الموظفون) ينظرون إليه على أنه أقرب إلى كونه أسلوبا تجسسيا منه إلى نظام رقابي، كما يعتبرون بيئة العمل منزلهم الأول لأنهم يقضون فيها أثمن ساعات يومهم فإذا لم يشعر الموظف بالأمن والقبول والتقدير وبقي خائفا يترقب فستكثر الصراعات وتتشكل التنظيمات غير الرسمية في الظلام ولن يعطي كل ما لديه بل قد يهد كل ما بنيتموه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي