المرحلة المتألقة

وطَّأت أمس لحديث اليوم عن تقبل أخطائنا والتفاعل معها وليس ضدها، بل والضحك مع من ضحك بدل البكاء والغضب. درجة من الحرية الفكرية والتقبل المنطقي للحياة لا يملكهما سوى من لديهم قناعة بقدراتهم الذاتية ومعرفة لمستوى فكرهم وثقافتهم وتقبل لبشريتهم كأساس بدأوا منه ونهاية يصلون إليها.
أذكر أن جورج بوش الابن كان يعاني عدم القدرة على نطق بعض الجمل والكلمات ، فكان يسلي مراسلي البيت الأبيض بنطق هذه الكلمات بشكل خاطئ ويضحك الجميع. في أحد الأسابيع طرد رئيس البرلمان الألماني المستشارة ميركل ، ومع ذلك لم تتأفف بل تقبلت وذهبت إلى آخر المبنى بكل طواعية لأنها أخطأت وتقبلت نتيجة خطئها،
وفي الأسبوع التالي كانت تحضر قمة دول العشرين والكل يحاول أن يتقرب من ألمانيا التي تمثلها ميركل. في المقابل لا حظنا كيف أن عربنا يرفضون أن يعترفوا ببشريتهم ويرفضوا أن يرى أحد نقصهم بل ويستأجرون الشعراء لذم مخالفيهم. هنا نبدأ في البحث عن الحلول ، وأحدها كان موضوع المقال الذي تحدثت عنه بالأمس والمسمى " المرحلة المتألقة".
تلك هي المرحلة المتألقة حيث يتجاوز فيها الواحد منا إشكالية تفادي التعبير عن نقص الذات أو الهروب من الإحساس بعدم الفهم. هنا يصبح المرء واثقاً بنفسه لدرجة تجعله غير ملزم بأن يثبت هذه الثقة للآخرين. هو واثق ويعلم أنه واثق وهذا هو المهم.
يشاهد أصحاب هذه المرحلة المتألقة كل الأمور على حقيقتها ويتفاعلون معها على هذا الأساس ، فهم يسمعون الكذب ويعلمون أنه كذب لكنهم لا يكلفون أنفسهم عناء إثبات ذلك للآخرين أو التعبير عن كشفهم هذا مهما كانت فداحة الكذبة التي يراقبون صاحبها.
يتابع المتألقون محاولات الآخرين الدائبة لإثبات ذواتهم، لكنهم يعلمون يقيناً من هم هؤلاء ولا يتأثرون بالزيف الذي يوجهه هؤلاء نحوهم من تفخيم وتعظيم ومديح لأنهم يعلمون أن وراء كل شيء ما وراءه. يتجاوز هؤلاء قيود الشكليات، ويهتمون بالأسس ولذلك يبنون علاقاتهم على الديمومة التي لا تصدر أبداً عن المصلحة، وإنما تنبع من الصدق مع الذات.
أين يتوقف المتألقون ؟ سؤال يحتاج إلى إجابات مقنعة ، لكن الأهم هو أن يعترف الواحد بأن موقعه من الحقيقة واضح ، ولا بد أن يؤكد أنه لن يتنازل عندما يتعلق الأمر بمخاطر أمنية أو وطنية أو إنسانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي