السوق العقارية تواجه عجزا في القوة الشرائية للأفراد بـ 3.5 تريليون ريال

لم تتمكن السوق العقارية المحلية بعد فترة طويلة من الركود، من إظهار أية مؤشرات تدل على اقتراب خروجها منه، وفي المرحلة الراهنة التي تعتبر بداية العام الثالث على التوالي من الركود الشديد للسوق، تظهر مؤشرات الأداء دخولها طورا جديدا أصعب مما شهدته طوال العامين الماضيين، ذلك أنه في الوقت الذي تسجل فيه سيولة وقيمة صفقات السوق تراجعات حادة (تجاوز انخفاضها حتى تاريخه نسبة 47.2 في المائة)، يظهر في المقابل تسارع معدلات ارتفاع عرض بيع الأراضي والمنتجات العقارية باختلاف أنواعها، وصل نموه خلال أول سبعة أشهر من العام الجاري إلى أعلى من 50.4 في المائة.

#2#

حينما تخضع أي سوق لارتفاع حجم عرض البيع لأصولها المختلفة بهذه النسبة (50.4 في المائة)، مقابل انحسار سيولة الشراء بنحو النصف، فلا شك أن الضغوط على مستويات الأسعار السوقية ستزداد بصورة أكبر مما سبق، وبالنظر إلى التفاصيل الدقيقة لهذا الاختلال الكبير في قوى العرض والطلب للسوق العقارية المحلية، يمكن التعرف بدقة أكبر على مدى ما تعانيه السوق العقارية من صعوبات وتحديات حقيقية، حيث يقدر أن وصلت أعداد قطع الأراضي السكنية المعروضة للبيع في المرحلة الراهنة إلى أكثر من 2.91 مليون قطعة أرض سكنية تقريبا (مساحة إجمالية 7.45 مليار متر مربع، متوسط مساحة الأرض 2557 مترا مربعا)، يقدر إجمالي قيمتها السوقية بأسعار اليوم بنحو 2.98 تريليون ريال (متوسط سعر المتر المربع 399 ريالا).

كما يقدر إجمالي عدد المعروض للبيع من المنتجات العقارية والإسكانية في المرحلة الراهنة بأكثر من 1.51 مليون منتج عقاري وسكني تقريبا، يقدر إجمالي قيمتها السوقية بأسعار اليوم بنحو 1.65 تريليون ريال، ليصل بذلك إجمالي القيمة السوقية بأسعار اليوم للعرض الراهن من الأراضي والمنتجات العقارية والإسكانية إلى أكثر من 4.6 تريليون ريال! وبمقارنتها بالقوة الشرائية للأفراد التي لا تتجاوز 1٫1 تريليون ريال، يصل عجز قوة الطلب مقارنة بالأسعار الراهنة للعرض إلى 3٫5 تريليون ريال.

#3#

وبالنظر إلى حجم السيولة المتوافرة لدى الاقتصاد بصورة عامة، وتحديدا لدى أفراد المجتمع الباحثين عن تملك أرض أو مسكن، فإنها أقل بكثير من تلك القيمة السوقية المتضخمة جدا بما لا يقل عن 75 إلى 80 في المائة، وأقل أيضا حتى بإضافة القدرة الائتمانية المحتملة للأفراد، ففي الوقت الذي لم يتجاوز خلاله إجمالي الودائع البنكية المحلية سقف 1.6 تريليون بنهاية حزيران (يونيو) 2016 (سجلت نموا سنويا سلبيا 3.3 في المائة)، أظهر كل من الائتمان المحلي للقطاع الخاص وحجم ودائع الشركات والأفراد عدم تجاوزهما سقف 1.44 تريليون ريال ونحو 1.24 تريليون ريال على التوالي.

#4#

كل ذلك يحمل في طياته الصعوبة الكبيرة جدا لمجاراة ولحاق قوى الطلب بأي حال من الأحوال؛ للتضخم السعري الهائل في أثمان الأصول العقارية المختلفة بأسعار اليوم، وهو ما بدأت السوق العقارية المحلية تتلمس طريقه على نحو محدود جدا، من خلال خفض الأسعار بصورة تدريجية، التي كلما انخفضت بنسب معينة وجدت في جانب الطلب قبولا محدودا حسب القدرة الشرائية، ووفقا لقناعة المشترين عند تلك المستويات السعرية بها، وبالطبع فإنه كلما انخفضت الأسعار السوقية وجدت شريحة أكبر من الأفراد المشترين القادرين، إلا أن الثقل الأكبر للشرائح القادرة على الشراء بالأسعار المناسبة لها، لا يزال بعيدا جدا مقارنة بالمستويات السعرية المتضخمة خلال المرحلة الراهنة.

وكما سبقت الإشارة إليه في التقرير السابق؛ فإن حجم الضغوط السلبية المؤثرة في أداء السوق العقارية، تظهر المؤشرات الاقتصادية والمالية أنه آخذ في الزيادة والاتساع، امتدت انعكاساته السلبية إلى الأداء الاقتصادي الكلي بصورة عامة، فلم ولن يقف فقط عند حدود السوق العقارية، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي أضعف أداء ربع سنوي له منذ عدة أعوام، أظهرت أحدث البيانات الصادرة أخيرا عن الهيئة العامة للإحصاء تباطؤ معدل نموه الحقيقي إلى 1.5 في المائة بنهاية الربع الأول من 2016، كما أظهر أداء أضعف للقطاع الخاص لم يتجاوز 0.2 في المائة للفترة نفسها. كل ذلك يعني في خلاصته؛ أن العوامل المؤثرة والضاغطة على الأسعار المتضخمة للأصول العقارية يتوقع استمرارها، إضافة إلى اقتراب موعد تحصيل مدفوعات الرسوم على الأراضي البيضاء لأول مرة بعد نحو أربعة أشهر فقط، أن تسهم مجتمعة في تصحيحات أكبر للأسعار مقارنة بما تعرضت له حتى تاريخه، وسيضاعف من الضغوط تلك شح التمويل العقاري.

الأداء الأسبوعي لمؤشرات أسعار العقارات السكنية

#5#

سجل المؤشر العقاري السكني العام الذي يقيس التغيرات في الأسعار السوقية لمختلف أنواع العقارات السكنية، ارتفاعا في متوسط قيمته بنسبة 0.8 في المائة، مقارنة بانخفاضه للأسبوع الأسبق بنسبة 2.4 في المائة، ليستقر عند 786.7 نقطة، ويعزى الارتفاع الأسبوعي في متوسط قيمة المؤشر إلى ارتفاع متوسط قيمة مؤشر أسعار الأراضي السكنية بنسبة 0.8 في المائة، كون وزنه النسبي يشكل الثقل الأكبر في معادلة احتساب المؤشر العقاري السكني العام، علما أن جميع مؤشرات أسعار العقار الأخرى سجلت ارتفاعات أسبوعية باستثناء مؤشر أسعار الشقق السكنية.
بينما سجل المؤشر العام لإجمالي الوحدات السكنية خلال الأسبوع نفسه (يقيس التغيرات في الأسعار السوقية للبيوت والشقق والعمائر والفلل السكنية حسب أوزانها النسبية)، انخفاضا للأسبوع السابع عشر على التوالي بنسبة 0.3 في المائة، مقارنة بانخفاضه للأسبوع الأسبق بنسبة 0.2 في المائة، ليستقر مع نهاية الأسبوع الماضي عند 729.7 نقطة، في حين سجل مؤشر أسعار الأراضي السكنية ارتفاعا بنسبة 0.8 في المائة، مقارنة بانخفاضه خلال الأسبوع الأسبق بنسبة 2.7 في المائة، ليستقر مع نهاية الأسبوع الماضي عند 783.5 نقطة. بالنسبة لبقية تفاصيل أداء بقية مؤشرات الأسعار (انظر الجدول رقم (2) مؤشرات الأسعار القياسية للسوق العقارية (القطاع السكني).

الأداء الأسبوعي للسوق العقارية
سجل إجمالي قيمة الصفقات الأسبوعية للسوق العقارية المحلية انخفاضا أسبوعيا بلغت نسبته 4.5 في المائة، مقارنة بارتفاعه القياسي للأسبوع الأسبق بنسبة 91.5 في المائة، لتستقر بدورها قيمة صفقات السوق بنهاية الأسبوع الثلاثين من العام الجاري عند مستوى أدنى من 3.5 مليار ريال (أدنى من المتوسـط العام لقيمة الصفقات للعام الجاري بنسبة 37.8 في المائة).

#6#

وتباين الأداء الأسبوعي لقيمة الصفقات العقارية بين كل من قطاعي السوق السكني والتجاري، حيث سجلت قيمة صفقات القطاع السكني ارتفاعا أسبوعيا طفيفا بلغت نسبته 1.3 في المائة، مقارنة بارتفاعها القياسي للأسبوع الأسبق بنسبة 84.3 في المائة، لتستقر قيمة صفقات القطاع بنهاية الأسبوع عند مستوى 2.5 مليار ريال (أدنى من المتوسط العام لقيمة صفقات القطاع السكني للعام الجاري بنسبة 21.4 في المائة). بينما انخفضت قيمة صفقات القطاع التجاري بنسبة 17.6 في المائة، مقارنة بانخفاضها خلال الأسبوع الأسبق بنسبة 110.0 في المائة، لتستقر قيمتها بنهاية الأسبوع عند 0.9 مليار ريال (أدنى من المتوسط العام لقيمة صفقات القطاع التجاري للعام الجاري بنسبة 60.8 في المائة).
أما على مستوى عدد العقارات السكنية المبيعة خلال الأسبوع، فقد سجلت ارتفاعا بنسبة 10.0 في المائة، مقارنة بارتفاعها خلال الأسبوع الأسبق بنسبة 71.1 في المائة، لتستقر مع نهاية الأسبوع عند مستوى 4282 عقارا مبيعا، ووفقا لمعدله الأسبوعي للعام الجاري (3991 عقارا مبيعا)؛ فلا يزال الأدنى مقارنة بالمعدلات المماثلة طوال الفترة 2012-2015 التي راوحت معدلاتها الأسـبوعية بين المعدل الأعلى المسجل خلال عام 2014 عند مستوى 5773 عقارا مبيعا (بلغت نسـبة انخفاض المعدل الأسـبوعي للعام الجـاري مقـارنة بالمعـدل الأعلى للفـترة نحـو 30.9 في المائة)، والمعدل الأدنى لتلك الفترة خلال عام 2012 عند مستوى 4793 عقارا مبيعا (بلغت نسبة انخفاض المعدل الأسبوعي للعام الجاري مقارنة بالمعدل الأدنى للفترة نحو 16.7 في المائة).
وشمل الارتفاع في أعداد العقارات السكنية المبيعة جميع أنواعها باستثناء الأراضي الزراعية والشقق السكنية، وتعكس تلك الوتيرة من الأداء للسوق العقارية، أن السوق تشهد تراجعا ملموسا في مستويات الأسعار السوقية للأصول العقارية المتداولة، مقابل تنفيذ مستويات أعلى من الصفقات العقارية بقيم صفقات أدنى من السابق، وفي حال شهدت السوق تراجعا في أعداد العقارات المباعة؛ فهذا يعني أن وتيرة التراجع في الأسعار في طريقها للاتساع أكثر من السابق، وهو الأمر الإيجابي الذي تنتظره السوق العقارية، الذي سينعكس دون شك على انخفاضات أكبر في مستويات الأسعار المتضخمة الراهنة. وفي حال شهدت السوق العقارية تراجعا في كل من قيم الصفقات وأعداد العقارات المباعة؛ فإن ذلك يعني زيادة أكبر في ضغوط العوامل الأساسية المؤدية لركود أداء السوق، وهو أمر يمكن تفسيره من خلال زيادة اقتناع أفراد المجتمع بتحقق مزيد من تراجع الأسعار المتضخمة للأصول العقارية، وأن كل تأجيل من قبلهم للشراء يحمل معه مكاسب أكبر بالنسبة إليهم، في الوقت ذاته الذي ينعكس بمزيد من الضغوط على أطراف البيع، يجعلها تقبل بالبيع بأسعار أدنى في الوقت الراهن، وأنها مستويات سعرية أفضل مقارنة بالمستويات المستقبلية، التي لا شك أنها ستكون أدنى مما هي عليه في المرحلة الراهنة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي