عدم الشفافية يربك توقعات أسواق النفط

لقد ظهرت في الآونة الأخيرة بعض العناوين المثيرة للقلق بخصوص 800 ألف برميل في اليوم مما يعرف بـ "البراميل المفقودة"، التي لم تستطع وكالة الطاقة الدولية الكشف عن مصيرها ضمن ميزان العرض والطلب في عام 2015. والتفسير الذي قدمه بعض محللي أسواق النفط في هذا الجانب هو أن الوكالة قد بالغت في تقديراتها لإمدادات النفط العالمية، وهذا يعني أن الفائض الحالي مبالغ فيه إلى حد كبير. ويرى بعض المحللين أن هذا الخطأ في تقديرات وكالة الطاقة الدولية هو وراء هبوط أسعار النفط في العام الماضي.
في الوقت الذي تمثل فيه هذه الادعاءات سوء فهم بسيط في أرقام وكالة الطاقة الدولية ـــ إن هذه "البراميل المفقودة" ليست تماما "مفقودة" كما يبدو ــــ لا تزال عملية تتبع إمدادات النفط العالمية والطلب بعيدة كل البعد من أن تكون مثالية. وكما هو الحال في المرات السابقة من اضطرابات الأسواق النفطية، ظهرت شكوك مشروعة حول مصداقية بيانات أسواق النفط.
في العقود الأخيرة، تحسنت عملية جمع البيانات وإعداد التقارير بفضل مبادرات المنتجين ـــ والمستهلكين مثل نظام جودي JODI لبيانات البترول الذي يرعاه منتدى الطاقة الدولي في الرياض والذي يهدف إلى زيادة الشفافية بشأن الحصول على بيانات موثقة ذات مصداقية عالية عن النفط، وتوافر إحصاءات أفضل من اللاعبين الرئيسين مثل روسيا والصين، ولكن يبقى هناك قصور. على سبيل المثال، عندما ارتفعت أسعار النفط في منتصف العقد الماضي، أصبح واضحا أن هناك فترة فاصلة كبيرة بين توقعات الأسواق التي تشير إلى طلب قوي على النفط في آسيا والبيانات الموثوقة التي تدعم ذلك.
لقد قامت وكالة الطاقة الدولية بإدراج رقم يعرف بـ miscellaneous to balance ضمن ميزانها للعرض والطلب يبين الكمية التي تتجاوز بها تقديرات العرض للوكالة الطلب والتغير المعلوم في مخزون دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويفسر أن "البراميل المفقودة" الناجمة عن ذلك ـــ الذي في عام 2015 بلغت 800 ألف برميل في اليوم ـــ هي في الواقع تتضمن تغييرات في مخزون دول منظمة التعاون والدول غير الأعضاء في المنظمة non-OECD غير المبلغ عنها "أي غير المعلومة". لا تتبع وكالة الطاقة الدولية بصورة مباشرة مخزون الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون، ولكن هذه المخزونات تنمو بسرعة بسبب توسع البنية التحتية، وتزايد المخزونات الاستراتيجية في الصين والهند، وحالة التأجيل Contango في منحى الأسعار، أي أن أسعار العقود المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، الأمر الذي حفز على ارتفاع مخزون منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وغيرها. في هذا السياق، معدل نمو 800 ألف برميل في اليوم في عام 2015 لا يبدو غير معقول كليا ويمكن تفسيره إلى حد ما. لكن، التحدي الأكبر في تقييم التوازن بين العرض والطلب ليس "البراميل المفقودة" بل هو تتبع إنتاج النفط في الولايات المتحدة ـــ لا سيما منحنى تراجع الإنتاج الطبيعي Natural decline rate للنفط الصخري. كثير من التوقعات بالغت بصورة كبيرة في توقعاتها لانخفاض الإنتاج المحتمل للولايات المتحدة في عام 2015، وعدد كبير من توقعات عام 2016 تؤكد استمرار عدم اليقين. إضافة إلى التوقعات، حتى البيانات الأولية لإنتاج النفط في الولايات المتحدة كانت دائما عرضة لتنقيحات كبيرة من قبل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
عدم اليقين في البيانات الحالية يعكس جزئيا مدى التعقيد في تحديد مستوى إنتاج الولايات المتحدة، حيث إن بعض تشكيلات النفط الصخري توجد أيضا ضمن أماكن الآبار القديمة نفسها المعروفة بـ Stripper wells، الاستخلاص المعزز وغيرها من أشكال الإنتاج التي تتعرض إلى ضغوط الأسعار. من حيث التوقعات، نقص الخبرة في تشكيلات النفط الصخري من الواضح هو السبب، ما يؤدي إلى أخطاء مثل الاعتماد فقط على عدد منصات الحفر العاملة دون الأخذ بعين الاعتبار المكاسب المتحققة في إنتاجية الآبار. في عام 2016، تتوقع وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك مرة أخرى انخفاضا كبيرا في إنتاج الولايات المتحدة، على الرغم من وجود دلائل محدودة لمثل هذا الانخفاض الحاد.
وتعتقد بعض دول "أوبك" أنه قد تم تضليلها بشكل كبير في عام 2014 من قبل بعض المراكز الاستشارية التي أكدت لهم أن قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة سيضطر إلى التوقف تماما بمجرد انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 85 دولارا للبرميل، والشكوك أصبحت مفهومة على نطاق واسع بخصوص أي تنبؤات متعلقة بموارد النفط الصخري في الولايات المتحدة.
ويبقى أيضا الطلب على النفط والمخزونات كمجالات مهمة لعدم اليقين في بيانات أسواق النفط، حيث لا يوجد وضوح كاف ما إذا كان النفط المنتج قد تم استهلاكه بالفعل أو فقط تخزينه في الأسواق الرئيسة للدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. بصورة عامة، هذا يدفع المتعاملين في أسواق النفط، بما في ذلك دول منظمة أوبك، إلى اعتماد نهج حذر ومتشكك في تفسير واستخدام بيانات الأسواق والتوقعات على المدى القريب. في ظل أسواق النفط الحالية، عدم اليقين هذا يوفر أيضا قدرا كبيرا من الشكوك حول حجم الفائض النفطي العالمي ومدى تراكم المخزون، وسيؤثر بشكل واضح في توقعات توقيت وسرعة إعادة التوازن إلى أسواق النفط.
على الرغم من أن جميع وكالات الطاقة الرئيسة ـــ منظمة أوبك، وكالة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية ـــ تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط في حدود 1.2 مليون برميل في اليوم هذا العام، إلا أن هناك فجوة في حدود 600 ألف برميل في اليوم بين توقعات إدارة معلومات الطاقة ومنظمة أوبك بخصوص تزايد الطلب على نفط أوبك في عام 2016 ـــ الذي يعتبر معيار التوازن التقليدي بين العرض والطلب في معظم التوقعات. في العام الماضي، نمو الطلب العالمي على النفط فاجأ الجميع، ويبدو أنه من الممكن أن يعيد الكرة مرة أخرى هذا العام، خصوصا إذا ظلت أسعار النفط منخفضة للغاية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي