الماء «الجاف» آت

«زرعي البلاستيكي مات، لأني لم أسقه»
متيش هيدبيرج - كوميدي أمريكي

ليس جديدا التهديد الذي يشكله نقص المياه حول العالم. فالدراسات والبحوث ومعها التحذيرات لم تتوقف حول هذا الأمر منذ عقود عديدة. والحقائق التي ظهرت كانت كافية لأن تعطي المشهد العام النظرة أكثر وضوحا، دون أن ننسى بالطبع، أن الذين يعانون شح المياه، ليسوا بحاجة لأي دراسات وبحوث للاطلاع على المصيبة، لأنهم يعيشون الأزمة-الكارثة على مدار الساعة، ولاسيما في المناطق التي تفتقر لكل أشكال المياه، وفي مقدمتها مياه الشرب. الأزمة ليست جديدة، ولكن الجديد فيها، أن بلدانا ومناطق حول العالم انضمت إلى منظمة المناطق التي تعاني شح المياه بما فيها (مثلا) الولايات المتحدة، التي كان انضمامها إلى هذا "النادي" مفاجئا حتى لشريحة من المراقبين المتابعين لهذه القضية.
الأمر المفجع الأكبر، أن المناطق التي تعاني شح المياه، تبقى في الأساس تلك التي تضم بلدانا نامية، وبالأصح فقيرة. وهي كذلك إلى درجة عدم توافر مياه الشرب "المعقولة" وليست النقية لسكانها. وبالتأكيد المنطقة العربية ليست بعيدة عن الكارثة، بل في الواقع هي في قلبها، الأمر الذي يزيد من حجم المعاناة في هذه البلدان. يعني أن البلدان العربية في كل من القارتين الآسيوية وإفريقيا تتصدر القوائم في شح المياه، وعدم وجود أطر تكفل مواجهة هذا الشح الخطير في غالبية البلدان المشار إليها. مع ضرورة الإشارة إلى أن البلدان العربية القادرة على مواجهة الشح، تنفق أموالا هائلة للحصول على المياه الكافية للاستهلاك بطرق مختلفة وفي مقدمتها تحلية مياه البحر.
الإحصائية الأخيرة التي نشرتها مجلة "ساينس أدفانس" العلمية الأمريكية ضمن دراسة شاملة، أظهرت كثيرا من الحقائق المفجعة، بما في ذلك أن أربعة مليارات نسمة حول العالم يعانون أزمات مياه حادة، على الأقل لشهر واحد في السنة، وأن أكثر من نصف مليار نسمة يعانون على مدار العام أزمات مياه مختلفة. وفي الإجمال، فإن ما يزيد على ثلثي البشر يعانون هذه الأزمات، بينما لا توجد حلول عملية في كثير من المناطق، يضاف إلى ذلك تردي ثقافة حماية المخزونات المائية في عدد من البلدان، ما يساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في تعميق الأزمات العالمية. دون أن ننسى الإشارة هنا إلى التفاوت في الطلب على المياه وتوافرها بين منطقة وأخرى، وموسم وآخر، وبلد وآخر. لقد انضمت مناطق في جنوب وغرب الولايات المتحدة إلى "منظومة" الشح.
هذه الحقائق والأرقام لا علاقة لها بالجفاف الذي أثبتت الدراسات العلمية الأخيرة، أنه يؤثر في 50 مليون شخص في القارة الإفريقية. ومصيبة الجفاف كبيرة للغاية، إذا ما أخذنا في الاعتبارات ما ينتج عنها على الحياة البشرية والبيئية والزراعية والصحية وغير ذلك. ويؤكد المختصون، أن رقعة الجفاف ستتسع في المستقبل، لأسباب عديدة في مقدمتها بالطبع التغيير المناخي المتجه إلى ارتفاع الحرارة. وهذه أيضا مصيبة بيئية تهدد في الواقع كوكب الأرض كله. هل يعقل بلوغ درجة الحرارة في آخر أيام العام الماضي في مدينة كلندن 12 درجة مئوية، في حين تكون الدرجة المعتادة في هذه الفترة عند الصفر وما تحته! كذلك الأمر حصل في عدد من المناطق حول العالم.
على كل حال، تبقى مسألة شح المياه هي الأكثر طرحا على الساحة حاليا، خصوصا في بلدان يمكن أن تصل إلى حلول لها في حال طبقت سلسلة من المعايير والبرامج على المديين المتوسط والبعيد. فلا خوف مثلا حول هذا الأمر في الولايات المتحدة، ولكن الخوف في بلدان مثل باكستان وبنجلادش والهند والصين والغالبية العظمى من البلدان العربية، يكون كبيرا، ليس لعدم وجود برامج بل للفشل في تطبيقها أو صعوبة تطبيقها. علينا أن نتذكر فقط، منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تضم 6 في المائة من سكان العالم، لا تمتلك أكثر من 2 في المائة من الموارد المائية المتجددة. وتؤكد دراسات الأمم المتحدة، أنها المنطقة الأكثر جفافا في العالم أجمع. ويضع البنك الدولي كلا من الجزائر والبحرين والكويت والأردن وليبيا وعمان والأراضي الفلسطينية وقطر والسعودية وتونس والإمارات واليمن، يضعها ضمن البلدان التي تعاني ندرة المياه.
وبحسب دراسة خاصة للبنك الدولي أيضا، لا تستطيع معظم بلدان المنطقة تلبية الطلب الحالي للماء بشكل مستدام. ومع نمو السكان وزيادة الطلب، فإن نصيب الفرد من وفرة المياه سينخفض إلى النصف بحلول عام 2050. هذا هو واقع الحال في العالم العربي فيما يرتبط بالمياه حاضرا ومستقبلا، والأمر ليس أفضل حالا كثيرا بالطبع على الصعيد العالمي، خصوصا إذا لم تتحرك المؤسسات الدولية الفاعلة، لفرض سياسة مائية عادلة، أقل ظلما من السياسات الأخرى التي تنتهجها حيال بقية القضايا. منذ عقود، لم تعد مشكلات المياه قضايا تخص المناطق التي تظهر فيها. إنها مشكلة-مصيبة عالمية، ولا يمكن حلها إلا بالتعاون بعيدا عن الأنانية والاستعلاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي