«توليد الوظائف» لتعزيز التنمية المستدامة

بدأت ثمار مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة تظهر بصور مختلفة. فهو جهة تحاكي المستقبل، في ظل تطورات واستحقاقات؛ بل في بعض الساحات تحولات تاريخية، على الساحتين الاقتصاديتين المحلية والخارجية. والمجلس يحمل توصيفا، يهتم به بصورة مباشرة أعلى هرم الحكم في السعودية، لأن التنمية في النهاية هي التي تحدد معالم الاقتصاد السعودي الذي يتشكل منذ سنوات عدة، ويسير وفق آليات متينة ومتجددة. والآليات المتجددة، هي تلك التي تفرضها المتغيرات، بل المفاجآت، خصوصا أن الاقتصاد المحلي في المملكة وغيرها، لم يعد منذ سنوات طويلة محليا بالمفهوم المجرد للكلمة. فالروابط لا تنتهي مع الساحة الخارجية، ولا سيما أن السعودية نفسها تمثل محورا رئيسا في صنع القرار الاقتصادي العالمي، سواء من موقعها في مجموعة العشرين، أو من خلال تأثيرها في قطاعات مختلفة.
من أهم ثمار مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في الوقت الراهن، موافقة مجلس الوزراء السعودي على تنظيم توليد الوظائف، ومكافحة البطالة. وهي مهمة أكثر من صعبة، تعاني مصاعبها حتى البلدان الأكثر رسوخا اقتصاديا، التي مرت بمراحل مختلفة في تاريخها الحديث. والبطالة تمثل هاجسا لا ينتهي عند حكومات العالم، ولا سيما تلك التي تسعى إلى تنمية مستدامة، وإلى نمو يحاكي المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية في آن معا. وكلما شهدت البطالة ارتفاعا، اقتربت من حالة ما يمكن تسميته "الاقتصاد الموازي السلبي". وهي حالة "تأكل" المثمر من الاقتصاد الوطني، خصوصا عندما لا تكون الأسلحة الدفاعية في هذا المجال، بمستوى الأضرار العائدة من ذلك "الموازي السلبي".
وقرار مجلس الوزراء حول تنظيم هيئة لتوليد الوظائف وبالتالي مكافحة البطالة، جاء في الوقت المناسب، كما أنه أتى بصورة مدروسة تماما، تأخذ في الاعتبارات المعوقات والإمكانات المتوافرة، فضلا عن أدوار القطاعين العام والخاص في هذا المجال. وهو يستهدف بالدرجة الأولى، تنمية القطاعات المولدة للوظائف، أي دعمها وتوفير الوسائل التي تمكنها من تحقيق أهدافها التنموية، وفي مقدمتها بالطبع التشغيل الوطني، ولا يغيب عنا هنا أن من أولويات عمل هذه الهيئة توفير الوظائف المناسبة واللائقة للمواطنين والمواطنات بحيث تتلاءم هذه الوظائف مع مستقبل العمل.
في بعض البلدان، تتقدم الحكومات بكثير من الإغراءات للمؤسسات المولدة للوظائف، من أجل الإبقاء على وتيرة "التوليد" هذه. وهي ببساطة تزيل عبئاً كبيراً عن كاهل الموازنة العامة، التي ينبغي أن تذهب في نطاقات أخرى تحاكي التنمية المستدامة، وتمكن الاقتصاد من أداء أفضل على كل الأصعدة.
هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، تتسم بمستوى عال من الأهمية والمسؤولية أيضا لتحقيق أهداف نوعية، ولهذا السبب ربطت مباشرة بمجلس الوزراء. ومن أهم مميزاتها، أنها تضم ممثلين عن جميع الجهات الفاعلة والمؤثرة اقتصاديا وتنمويا على الساحة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، إضافة طبعا إلى القطاع الخاص، الذي يظل عماد التنمية بشكل عام. وهذا القطاع يلقى منذ سنوات دعما كبيرا من الجهات الحكومية، ليس فقط لتعزيزه في مسيرة التنمية، بل أيضا ليؤدي مسؤوليته الاجتماعية الوطنية على أكمل وجه. هذه الهيئة، ستكون "مطبخا" حقيقيا لصياغة التوجهات والقرارات الخاصة بسوق العمل والتشغيل ومخرجات التعليم أيضا التي ترتبط مباشرة بهذه السوق المحورية محليا. ولهذه الأسباب، فإن النتائج ستكون ذات أهمية قصوى، وتتماشى مع مخططات التنمية الكبرى التي تجري في المملكة.
مرة أخرى، ستكون المهمة صعبة، وربما تأخذ وقتا، لكنها في النهاية تبني صرحا اقتصاديا تنمويا، سيقوم بحل كل المشكلات المرتبطة بالعمل والبطالة، فضلا عن دوره في رسم أطر التشغيل من خلال المتطلبات على المديين القصير والمتوسط، وتلك المستحقة على المدى البعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي