لماذا ضعف إسهام الجامعات في سد احتياجات سوق العمل؟

من المشاهد أن الدكتور عزام الدخيل وزير التعليم جعل من أولويات إدارته ربط برامج البكالوريوس والدراسات العليا للجامعات باحتياجات سوق العمل. هذا التوجه قاد الوزير إلى تعديل مفهوم الابتعاث، بحيث يربط بشكل مباشر مع احتياجات سوق العمل عبر برنامج "وظيفتك وبعثتك". كما أن وزارة التعليم بالتعاون مع وزارة الخدمة المدنية أكدت على ضرورة أخذ موافقتها قبل اعتماد أي برنامج أكاديمي سواء لمرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا من أجل ضمان ملاءمة تلك البرامج مع احتياجات سوق العمل.
لكن هناك بعض العوامل التي قد تعوق تحقيق رؤية الوزير. فمثلا تسعى الجامعات مشكورة وجاهدة في وضع البرامج التي تلبي احتياجات سوق العمل، ولكن ما يعاب على بعض هذه البرامج ضعف مخرجاتها. هذه الحقيقة أدت إلى عدم توظيف خريجي بعض التخصصات المطلوبة في سوق العمل بسبب ضعف تأهيلهم من الناحيتين الأكاديمية والعملية. فمثلا بعض مستشفيات التشغيل الذاتي لا توظف خريجي أحد برامج البكالوريوس في الحاسب الآلي لدى إحدى الجامعات الحكومية السعودية. هذا التوجه ناتج عن عدم قناعتهم بمستوى خريجي ذلك القسم في تلك الجامعة. لكن هذه المستشفيات لا تعلن صراحة رفضها خريجي ذلك القسم حتى لا يتسبب هذا القرار في إثارة خريجي تلك الجامعة وامتعاضهم. لذا يتم استقبال طلباتهم للتوظيف لكن يتم تجاهل أوراقهم عمليا عند وصولها لمرحلة الفرز النهائية. لذا فإن اعتراف وزارة الخدمة المدنية لا يعني بالضرورة الاعتراف من قبل بقية مؤسسات الدولة فضلا عن مؤسسات وشركات القطاع الخاص. كما أن خريجي الكليات الصحية الذين ما زالت مشكلتهم قائمة مثال آخر على ضعف مخرجات البرامج المطلوبة في سوق العمل.
لذا فإن توجه الوزير في دعم البرامج التي تسهم في إيجاد فرص عمل في القطاع الخاص وبقية مؤسسات الدولة تفتقد جزئيا توافر الأرضية اللازمة لتفعيلها على أرض الواقع. القطاع الخاص وبقية مؤسسات الدولة والجمعيات العلمية يجب أن تكون لهم مشاركة في تقييم البرامج العلمية ومراجعة مخرجاتها.
من الجميل أنك تجد أن بعض الكليات تشارك أعضاء من المستفيدين من برامجها العملية كممثلين من القطاع الخاص أو بقية مؤسسات الدولة في مجالسها الاستشارية لكن ما يعاب على بعض هذه المجالس أنها مجرد مجالس شكلية وتوضع من أجل تلبية أحد شروط الاعتماد الأكاديمي فقط وليس بسبب قناعة ذاتية.
لذا ومن أجل الخروج من إشكالية ضعف مخرجات بعض البرامج بسبب ضعف مطبخ صناعة القرارات داخل بعض الجامعات، فإني أدعو لإعادة تقييم البرامج العلمية داخل الجامعات، حيث لا يكون تقييم البرامج الأكاديمية محصورا فقط على وزارة الخدمة المدنية ولجانها ومجالسها المختلفة، وإنما من قبل ممثلين من القطاع الخاص وأعضاء من الجمعيات المهنية والعلمية كأحد أهم شروط تقييم البرامج قبل اعتمادها. هذا التمثيل من القطاع الخاص والجمعيات المهنية والعلمية يجب أن يكون تمثيلا حقيقيا وليس شكليا.
كما أدعو إلى تفعيل دور الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي في تقييم البرامج قبل وبعد اعتمادها. فمن المشاهد أن الاعتماد الأكاديمي لا يتم التعامل معه بجدية بسبب عدم وجود محفزات حقيقية تدفع الجامعات للالتزام بتطبيق متطلبات الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي. ولا شك أن وجود محفزات مالية من أهم هذه المحفزات. فمن الممكن أن تتاح للجامعات فتح البرامج التي تراها، لكن لا يتم اعتماد تلك البرامج ماليا ما لم تلتزم تلك الجامعات بمعايير هيئة الاعتماد الأكاديمي الموجودة فيها. هذه السياسة أثبتت جدواها لدى عديد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة. لذا فإنه من المفترض أن يتم ربط الميزانيات السنوية للجامعات بمعايير الاعتماد الأكاديمي ومدى الالتزام بها. كما يجب أن يكون الالتزام بمعايير الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي ليس خيارا وإنما واجب يجب السعي نحو تحقيقه من قبل كل الجامعات. فلا اعتماد ماليا لأي برنامج أكاديمي دون الالتزام بمعايير الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي. هذا التوجه سيسهم حتما في رفع جودة البرامج العلمية لدى الجامعات كما سيسهم في توافق متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم من قبل الجامعات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي