Author

التعليم .. تركة ثقيلة على عاتق الوزير «2»

|
ذكرت في مقالي السابق المنشور بتاريخ 28/5/1436هـ، مدى صعوبة المسؤولية الملقاة على عاتق وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل. فهو يحمل على عاتقه عمل وزارتين "وزارة التعليم" و"وزارة التعليم العالي" اللتين تم دمجهما أخيرا، إضافة إلى "الرئاسة العامة لتعليم البنات" التي دمجت في عام 1423هـ. ووضحت أنه ـــ إن شاء الله ـــ أهل لهذه المسؤولية وقادر على تحريك دفة التعليم للأمام، وإكمال ما سبقه الأولون. وقد تطرق المقال السابق إلى ضرورة إشراك أولياء الأمور في تقويم أداء المعلمين، وذلك من خلال استخدام التقنية الحديثة من خلال الإنترنت أو تطبيقات الهواتف الذكية من أجل فتح نافذة لأولياء الأمور للمشاركة في دعم هذا القطاع. وأوضحت أن التقنية مطلب أساسي نظرا لضخامة هذه الوزارة بعد عدد من الاندماجات، وهذا هو المطلب الأساسي من قبل الدولة عندما تبنت فكرة الحكومة الإلكترونية التي تقوم على الشفافية وسرعة إنهاء المعاملات. وهذا المقال سيشدد على توصيتين متطلعا إلى أنهما وضعتا في الحسبان من قبل الوزير قبل طرحهما هنا. التوصية الأولى في هذا المقال ترتكز على تنمية وتطوير الإدارة المدرسية، والاهتمام بانتقاء المناسبين والمؤهلين لها، الذين يتسمون بحب هذا العمل وتطويره ولديهم المؤهلات الكافية في الإدارة. وقد سبق أن تحدثت عن هذا المطلب في مقال سابق، فمن خلال تطوير هذا العنصر فإن أداء أغلب المعلمين سيتحسن، فالإدارة الحسنة تعني بيئة وتربة خصبة تساعد على جودة الثمار اليانعة، والإدارة الحازمة القوية ستميز المعلم السيئ وتظهر حقيقته. وبشكل عام، فإن هناك قصورا في فهم حقيقة الإدارة الناجحة، هل هي الإدارة التي تضبط الحضور والانصراف فقط؟ فهي في الحقيقة ذات مدلول أوسع مرتبط بالتطوير والتوجيه والتحفيز والضبط والتخطيط والتعامل واختزال الإجراءات وتنظيمها... إلخ. علما بأن مسألة الحضور والانصراف يجب أن يتم ربطها بالتقنية من خلال البصمة، وجعل الإدارة متفرغة لما هو مهم. ولكي يتم إيجاد الإداري الجيد، يجب أن يتم تأهيله تأهيلا مناسبا من خلال عدد من الدورات المتخصصة، ويكون لهم بدل خاص مقابل هذا العمل المنهك. أما بالنسبة لمواصفات القائد أو مدير المدرسة، فيجب أن تتوافر فيه صفة القيادة، قبل الاستثمار فيه وإعطائه الدورات المتخصصة في القيادة وإدارة الفريق. ويكون دور الإدارة هو تحديد الدورات المناسبة للمعلمين، كل حسب نقاط ضعفه، أو المهارات التي تحتاج إلى أن تطور فيه. ويجب أن يتم استغلال تقديم هذه الدورات في وقت إجازة المدارس التي تتجاوز ثلاثة أشهر في السنة، فالذي أعرفه أن المدرسين يقومون بتوقيع الحضور والانتظار ساعتين قبل توقيع الانصراف دون عمل أي شيء مفيد. التوصية الثانية تهتم ببيئة التعليم، فبيئة التعليم ذات طبيعة خاصة، فهي بيئة شبيهة بقطاعي القضاء والصحة، فشروط تعيين القضاة والأطباء صعبة نظرا لخطورة أعمالهم، فلا يمكن أن يدخلها إلا المتميز الذي يحمل المؤهلات اللازمة لهذه البيئة، ولا يجب أن تكون مرتعا للمتخاذلين لمن كان طموحه محدودا ويرغب في ساعات عمل قليلة ومسؤوليات محدودة وأجر وفير. ومؤهلات العمل في هذه البيئة يجب أن ترتبط بالمؤهل العلمي المناسب ويرافقه تأهيل بعلم التربية، وكذلك ضمان حسن خلق الشخص. فعند سقوط عنصر حسن الخلق فهذا يعني عدم صلاحية هذا الشخص للتعليم بل هو خطر على الأجيال لانعدام صفة القدوة الحسنة. لذا نجد أن أغلب الدول المتطورة ـــ مثل السويد ـــ تشدد في اختبارات قبول المعلمين، وهي اختبارات مرتبطة بالمؤهلين الأكاديمي والتربوي، وكذلك البحث عن الخلفية السلوكية للشخص وعدم وجود أي اختلالات فكرية أو سلوكية للمعلم. لذا يجب على وزير التعليم إعادة النظر في متطلبات التعيين على وظيفة معلم، هذا إضافة إلى إيجاد الاختبارات اللازمة للحصول على الوظيفة، وتفعيل هذه الاختبارات لجعلها متطلبا لمن يرغب في الترقية أو النقل. أما مسألة السلوكيات، فهنا يجب أن يضرب بيد من حديد على أي تجاوز لسلوك أو فكر مختل يقع من معلم، والقوانين واضحة في هذا الخصوص لكن تحتاج إلى الصرامة والجدية في التطبيق، لكي تردع كل مقصر ـــ وهم قلة ـــ، ولا يكتفي بالنقل. ومقابل العقاب، هناك مبدأ الثواب، فإذا أوجد الوزير بيئة مناسبة للمعلمين المميزين ــــ وهم كثر ــــ فسيكثر التنافس والإبداع والتعاون، وتنحصر بذلك فئة المقصرين، فلا يبقى مكان للمتخاذل. فإذا لم يقم بتعديل تقصيره فسيضيق به الحال ويترك قطاع التعليم الذي وجد فقط للنخبة. وأختم، بأن تلك التوصيات، ولدي اليقين أن الدكتور عزام الدخيل على معرفة بها، آمل أن تكون ضمن خطط تطوير قطاع التعليم. متفائلا بأن يقوم بنقلة نوعية في التعليم، حاملا على عاتقه أعباء وزارتين، وعددا يفوق نصف مليون موظف حكومي. وقبل هذا كله مسؤولية مستقبل أكثر من سبعة ملايين طالب وطالبة في قطاعي التعليم العام والعالي.
إنشرها