Author

مشروع قانون «جاستا» .. والآثار القانونية عند إقراره

|
تحدثنا في المقال السابق عن مشروع قانون "جاستا"، وهو المشروع المقترح من قبل الكونجرس الأمريكي الذي يهدف إلى مقاضاة ومحاسبة داعمي الإرهاب الدولي لدى المحاكم الوطنية الأمريكية، حتى لو كان المتهم دولة ذات سيادة. وتطرقنا في ذاك المقال إلى الجوانب الإجرائية اللازمة لإصدار هذا القانون، ومعارضة هذا القانون لأبسط المبادئ القانونية المستقر عليها في التشريعات والأعراف الدولية مثل مبدأ سيادة وحصانة الدول، ثم نوهت بشكل موجز بالأثرين القانوني والسياسي المتوقعين من إقرار هذا القانون ونفاذه أمام المحاكم الوطنية الأمريكية. جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما استخدم في يوم الجمعة الماضي حق النقض "الفيتو" ضد مشروع هذا القانون، مشددا على أن إقراره سيضر بلا شك بالمصالح الأمريكية وأمنها القومي، ويقوض مبدأ الحصانة السياسية للدول. لكن هذا النقض قد يكون عديم الجدوى في حال تمرير هذا المشروع مرة أخرى لدى الكونجرس الأمريكي والتصويت عليه بالموافقة بأغلبية الثلثين، وهذا يجعله قانوناً فعالاً بغض النظر عن نقض الرئيس الأمريكي له. أما محور حديثنا في هذا المقال فهو الآثار القانونية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية في حال إقرار هذا القانون. فالمطلع العادي يرى أن هذا القانون تم تفصيله بمقاسات تناسب قانونية وشرعية طلب أسر ضحايا 11 سبتمبر، والشركات التجارية مثل شركات التأمين، بالتعويضات المناسبة من المتسببين في هذه الجريمة الإرهابية، وفي إحصائيات مبدئية لتقدير هذه التعويضات فإنها ربما تفوق تريليوني دولار أمريكي لأسر الضحايا، والمبالغ قابلة للزيادة بشكل مضاعف إذا تم احتساب أضرار الشركات. والسؤال المهم هو: ما دخل الحكومة السعودية بهذه الجريمة؟ مع الأسف فإن المستهدف من هذا القانون بالدرجة الأولى هو الحكومة السعودية، رغم عدم الإشارة إلى السعودية في هذا القانون، وهذا الاتهام يتداوله بعض من أعضاء الكونجرس الأمريكي من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والداعمين لهم في الإعلام الأمريكي. ورغم أن تقرير نتائج أحداث سبتمبر التي بلغت أكثر من 567 صفحة، لم يتضمن أي اتهامات ضد السعودية بشكل يثبت إدانتها أو تقصيرها. وقد تم حجب 28 صفحة من هذه التحقيقات لأسباب ترتبط بمصالح الحكومة الأمريكية القومية وجهازها الاستخباري، ولثقة الحكومة السعودية بسلامة موقفها ووضوحه التام، طلبت الكشف عن هذه الصفحات من أجل طي نظرية المؤامرة والتوسع في التكهنات والاتهامات، وبعد ذلك تمت مراجعة هذه الصفحات السرية من قبل أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وأكدت سلامة موقف الحكومة السعودية من أي دور سلبي في أحداث 11 سبتمبر - راجع تغريدات وزير الخارجية السعودي. ورغم سلامة موقف السعودية من جميع الجوانب، فإن إقرار هذا القانون سيؤثر بلا شك في أصول واستثمارات الحكومة السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقدر قيمتها بأكثر من 750 مليار دولار أمريكي، التي قد يتم استغلالها بتجميد وغيره من إجراءات أمريكية أحادية، لحين الانتهاء من القضايا المرفوعة ضدها، التي ستستنزف الحكومة السعودية مبالغ طائلة في تكاليف التقاضي. وقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن الحكومة السعودية صرحت بأنها ستضطر إلى بيع أصولها في حال إقرار هذا القانون، وهذا ما تم نفيه من قبل وزير الخارجية السعودي. لكن هذا القرار قد يكون معقولاً ومنطقياً في حال إقرار القانون، مخافة تجميد هذه الأصول من قبل المحاكم الأمريكية. والقيام بهذه العملية عليه تبعات اقتصادية ضخمة ليس على السعودية فقط، لكن على الاقتصاد الأمريكي. أما في الجانب السياسي فهذا سيلقي بظلاله على علاقات البلدين، نظرا للمصالح المتبادلة التاريخية بين البلدين الاقتصادية منها أو السياسية، فالسعودية الحليف الأقوى والمؤتمن في المنطقة. ونعود إلى الجانب القانوني ونُذكّر بأن إقرار مثل هذا القانون يعطي باقي دول العالم الحق في تطبيق مبدأ "المعاملة بالمثل" ضد الحكومة الأمريكية، ومبدأ المعاملة بالمثل معروف في العلاقات والمعاهدات الدولية، حيث إن أي ميزة أو امتياز أو عقوبة أو تقييد ممنوح من دولة على مواطنين أو كيانات قانونية لدولة أخرى يجعل الدولة الأخرى تتعامل بالمثل في المقابل، ولكم تخيل حجم مصالح الحكومة الأمريكية المنتشرة حول العالم وتدخلها الواسع في دول عدة، ومدى تأثرها في حال فتح عليها باب المقاضاة خارج أرضها وسقوط حق الحصانة والسيادة عنها. خذ على سبيل المثال ما حصل لبعض مساجين جوانتانامو الذين لم تثبت عليهم أي تهمة، ولم تتم معاملتهم معاملة إنسانية أثناء سجنهم. وختاما، فإنه تجب معرفة أن إقرار هذا القانون له عواقب اقتصادية وجيوسياسية ستؤثر في علاقات البلدين، وهذا التأثر سيمتد إلى دول الخليج العربي وباقي العالمين العربي والإسلامي، نظرا لمركز وقوة الحكومة السعودية في المنطقة، ما يجعل الحكومة السعودية تقوم بالبحث عن حليف قوي في الشرق كي تستمر في منظومة التطور، وهذا ما يؤثر بشكل كبير في مصالح الحكومة الأمريكية في المنطقة، وبلا شك أن هذا السلوك سيمتد إلى دول أخرى متأثرة من هذا التعسف الأمريكي في سن هذا القانون. والعواقب الاقتصادية غير قابلة للتخيل، فالأثر الاقتصادي سيكون سلبيا في البلدين، في حال رأت الحكومة السعودية أن تبعات هذا القانون تضر بمصالحها مباشرة، وذلك من خلال مناقلة أو بيع أصولها في أمريكا، أو فك الربط بالدولار الأمريكي، والبحث عن عملة أخرى تناسب متغيرات المرحلة المقبلة.
إنشرها