القمة «الجراحية» لا الإجرائية

قليلة هي القمم العربية التي يمكن أن نرفدها بوصف "التاريخية"، أو بتوصيفات كـ"قمة القرارات" أو "قمة المواقف الحازمة" أو "قمة العمل"، أو غير ذلك. كانت غالبية هذه القمم إجرائية أكثر من "جراحية"، وكانت تتم، لأنها يجب أن تتم، بصرف النظر عن العائد منها، أو مخرجاتها. هذا ليس تقليلا من جهود من قاموا بالقمم المشار إليها. فليس متوقعا أن تكون كل القمم ناجحة، ولكن غالبيتها كانت غير ذلك. كانت نيات البعض في عدم التعاون واضحة طوال العقود الماضية، بل إن بعضا منهم حاول التخريب. ولذلك لم يكن هناك مجال لتحقيق النجاح، أو الوصول إلى الحد الأدنى منه. لكن الأمور تتغير، بتغير الأحداث والأهم بتعاظم الإرادات. فما كان بعيدا بالأمس، بات حاضرا اليوم.
قمة شرم الشيخ العربية، كانت ببساطة "القمة الجراحية"، وهذا يعني أنها ليست "إجرائية". وهي كذلك، لأنها حظيت بإرادات القادة المخلصين للأمة العربية كلها، بلا نيات مفضوحة أو مستترة. ولأنها كانت صريحة بكل طروحاتها، وواضحة حيال كل القضايا التي طرحت فيها. كان اليمن الحاضر الأول، لأن الأحداث المتلاحقة التي تشهدها ساحته تحتم على المجتمعين أن يكون في هذا الموقع. فالمملكة تقود اليوم تحالفا عربيا محوريا، ليس للقضاء على العصابات الحوثية، بل لحماية الشعب اليمني من هذه العصابات، وليس للثأر، بل لوضع حد لتحالفات على ساحته، تستهدف البلاد في كيانها. ويجري ذلك، بعد أن استنزفت (واستنفدت) المملكة كل وسيلة سياسية ممكنة، لصون ما يمكن صونه من حقوق الشعب اليمني.
هل كانت قمة شرم الشيخ العربية، قمة اليمن؟ يمكن أن نعتبرها هكذا، في ظل تأييد كبير لعملية "عاصفة الحزم" من جانب كل البلدان المشاركة في القمة، فحتى سلطنة عمان التي فضلت ألا تكون جزءا من "عاصفة الحزم" أعلنت رسميا وقوفها ومساندتها لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي عرض على القمة الحقائق كاملة، بكل بشاعتها ومآسيها، ولكنه في الوقت نفسه، جاء إلى القمة (كما قال)، ليؤكد لأشقائه العرب أنه لا بد من التخلص من العصابات الحوثية، وأن اليمن لم يتجه إلا لأشقائه لنجدته. كانت القمة ساحة مثالية لتداول الأزمة المتصاعدة في اليمن، بل كانت منبرا شرعيا خالصا للشرعية اليمنية.
والأهم أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أعلن من على منبر هذه القمة موعد انتهاء "عاصفة الحزم"، ويحل هذا الموعد بتحقيق أهداف العملية كلها. وما هي هذه الأهداف؟ أن ينعم الشعب اليمني بالأمن والاستقرار. كيف لا؟ وقد شدد الملك سلمان على أن العدوان الحوثي في اليمن يشكل تهديدا لكل المنطقة. بالطبع هذا الاهتمام المستحق باليمن (لأسباب تتعلق بالتطورات المتلاحقة)، لم يؤثر في قمة شرم الشيخ العربية، على أي من القضايا العربية الحاضرة دائما. ولعل أهم نقطة في هذا المجال، إصرار القادة الفاعلين في القمة، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين، على العمل الحقيقي لحل تلك القضايا، والتأكيد على أنها طالت فعلا، ولا يمكن أن يتحمل الوضع العربي العالم أكثر من ذلك.
الأدوات متوافرة، من خلال إرادات قيادية كبيرة، لمعالجة القضايا المطروحة على الساحة العربية، ليس من ناحية إدارتها، بل من جهة حلها المستدام. وهذا ينسحب على كل المسائل العالقة من سورية إلى العراق إلى ليبيا، وبالطبع فلسطين، التي اعتبرت حتى من قبل الرئيس اليمني هادي الذي تشهد بلاده أخطر أزماتها، وأشد التداعيات أنها أزمة العرب المحورية. وأنها ستكون كذلك في كل الأزمنة. لهذه الأسباب وغيرها، يمكن أن نعتبر قمة شرم الشيخ العربية، استثنائية جدا، ولكن الأهم أنها "قمة جراحية".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي