نحو شبكات توريد أكثر فاعلية

في خضم حديثنا السابق عن اتجاهات الاستدامة، تحدثنا عن أهمية سلاسل التوريد التي لا يخفى دورها الكبير في استمرار نجاح الشركات في القطاعات التي تعمل فيها. وليس أدل على ذلك من الزيادة الواضحة في عدد القرارات الصادرة عن مجالس إدارات عديد الشركات العالمية في السنتين الأخيرتين، وكذلك التغييرات التي طرأت أخيرا على الإطار المقترح من قبل مبادرة الإفصاح العالمية لتشمل جزءا أكبر عن سلاسل التوريد، تشمل تدقيق الموردين للتأكد من امتثالهم للمعايير الموضوعة من قبل الشركات، وكذلك استثمارات الشركات في تنمية قدرات مورديهم. وبات عديد من الشركات تقدم شهادات مدققة من قبل طرف ثالث عن امتثال مورديهم للمعايير والاشتراطات البيئية، اشتراطات الأمن والسلامة، ومدى التزامهم بحقوق الإنسان. واليوم ينبع الاهتمام الأكبر بسلاسل التوريد من قبل أصحاب المصالح أنفسهم، ولا سيما ملاك الأسهم الذين أصبحوا يمارسون ضغوطا كبيرة على مجالس الإدارات لتحسين إدارة سلاسل التوريد، لما لها من أثر واضح في استمرار العملية التشغيلية بسلاسة، وبالتالي الإسهام في تحقيق الشركة أهدافها التشغيلية.
كما أنه من الملاحظ أن أكثر من 80 في المائة من الشركات المدرجة في مؤشر داو جونز العالمي للاستدامة هي من الشركات التي لها نوع من التواصل الفاعل مع الموردين، في حين أن أكثر من 62 في المائة من تلك الشركات لها برامج تدقيق متخصصة للتأكد من امتثال مورديها لمعايير جودة الأداء، وكذلك قدرة الموردين على التكيف مع متغيرات بيئة العمل. كما أن جل تلك الشركات تعد تنمية قدرات الموردين وإعطاء فرصة أكبر للموردين المحليين ضمن التزامات الشركة تجاه مجتمعها، هي الهدف من هذا المفهوم.
فعلى سبيل المثال، أنشأت شركة جنرال إلكتريك أكاديميات متخصصة لتدريب الموردين كتلك التي افتتحتها في الصين. تقوم الشركة من خلالها بتعريف الطلاب الذين يمثلون جهات مختلفة من الموردين على خطط الشركة، تطلعاتها، والمواصفات التي يجب توافرها في المورد من حيث جودة الأداء. إضافة إلى توعيتهم بمتطلبات الأمن والسلامة الخاصة بالمنتج، وكذلك متطلبات السلامة التشغيلية، القوانين والتشريعات المحلية، وإدارة المخاطر المتعلقة. بينما، يقوم عديد من الشركات الأخرى بتصميم برامج مفصلة لتأهيل الموردين الجدد ورفع قدرات الموردين المحليين.
محليا، يعد نموذج شركة الفنار من النماذج الرائدة في تأهيل الموردين، حيث تقوم الشركة بإعلام الموردين عن خطة الشركة الخاصة بالتوريد، والتنسيق معهم بخصوص إمكاناتهم في التوريد. كما تقوم الشركة بالتأكد من جودة منتجاتهم وفق منهجية مفصلة، يقوم المورد فيها بعد استيفاء جميع الشروط المطلوبة من وثائق وما إلى ذلك بخوض فترة تجريبية لمدة سنة كاملة، يجري فيها تقييم المورد من ناحية كفاءة العمليات، الإمكانات المتاحة، أطر الأمن والسلامة، وعديد من الجوانب الأخرى، قبل الحصول على الاعتماد النهائي من قبل المجموعة. وهناك عديد من الشركات في قطاعات مختلفة تقوم بتخصيص ميزانيات سنوية لتنمية قدرات مورديها، إضافة إلى عمليات تقييم مستمرة لضمان استيفاء الموردين جميع شروط الشركات بشكل دائم. وتهدف مجموعة الفنار من خلال هذه الإجراءات المتبعة لتأهيل الموردين، إلى التأكد من قدرة المورد على تلبية متطلبات المجموعة، إلا أنها تعود بالنفع على المورد نفسه، حيث إن عديدا من الشركات التي تعمل في مجالات شركات الفنار نفسها، تقوم باعتماد المورد الحاصل على اعتماد نهائي من قبل المجموعة بشكل سريع؛ ما يبين جودة البرنامج الموضوع من قبل الشركة لتأهيل الموردين.
ولا ننسى في هذا الإطار أن توسيع قاعدة الموردين المحليين هو أحد الحلول الفاعلة في محاربة البطالة، خصوصا في ظل تحقيق عديد من الشركات الكبيرة نسب توطين عالية، ووصول أغلب هذه الشركات إلى درجة التشبع، فهناك تناسب طردي واضح بين نمو حجم عمليات الموردين ونسب التوطين المتحققة، فكلما زاد حجم أعمال الموردين زادت الفرص الوظيفية المتاحة. ولا يسعنا ختاما إلا أن نؤكد أنه في بيئة عمل تتميز بالمتغيرات السريعة والتحديات الدقيقة، فإن جودة إدارة الشركة لسلاسل التوريد من أسباب تحقيق الشركة أهدافها التشغيلية. فليس الاستثمار في بناء وتطوير قدرات الموردين من نفقات الشركات التطوعية، بل هي ضرورة تشغيلية ملحة لاستمرار عملياتها.
د. آسيا آل الشيخ

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي