مؤشرات الاستدامة (1)

بعد أن أصبحت الاستدامة جزءا أصيلا من الثقافة الداخلية للعديد من الشركات وقيام عديد من تلك المؤسسات بإصدار تقارير الإفصاح عن برامجها ومساهماتها للمسؤولية الاجتماعية على مدار العقد الماضي، قامت عديد من الدول والشركات المتخصصة بإنشاء مؤشرات للاستدامة لتقييم أداء الشركات لاسيما المدرجة منها في جوانب الاستدامة المختلفة.
إذا أردنا أن نعرف المؤشرات فهي أدوات لقياس أداء الشركات، ومن ثم تصنيفها على حسب معايير محددة بأوزان مختلفة مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الشركة، مستوى عملياتها، الإيرادات السنوية وربحية الشركات. والقاعدة الأساسية في تقييم نشاطات وإسهامات الشركات للمسؤولية الاجتماعية هي ربط مستوى وقيمة تلك المساهمات بمستوى أثرها المرجو والمخطط له. إننا وباستخدام أدوات ومعايير القياس يمكننا احتساب ما تحقق من الأهداف المرجوة لتحديد مستوى كفاءة الإنفاق. فمثلا إن وضعت شركة مبلغا ما من أجل حملة توعوية بأضرار السمنة على الأطفال مستهدفة 50 ألف طفل، وكانت أحد المعايير النوعية هي انخفاض الوزن لـ30 في المائة من الأطفال المستهدفين بالدراسة ليصلوا إلى مستوى الوزن المثالي خلال ستة أشهر، فإذا كانت المحصلة استهداف الشركة لـ30 ألف طفل تكون الشركة قد حققت 60 في المائة في معيار نجاح الحملة التوعوية للوصول لأهدافها المرجوة، وكذلك إذا ما انخفضت أوزان 15 في المائة من الأطفال المشاركين بالدراسة، تكون الشركة قد حققت 50 في المائة من أهدافها لمعيار عدد الأطفال الذين أحدثوا تغييرا جذريا ليصلوا للوزن المثالي، وهكذا تقوم الشركة بوضع المعايير لجميع مبادراتها وحساب المتحقق منها بالطريقة نفسها. تتكون المؤشرات الحديثة من عدد من العناصر، أولها مستوى أداء الشركة في الحوكمة الداخلية، التي تعد جزءا لا يتجزأ من أفضل ممارسات الاستدامة، ذلك أن فعالية الإدارة الداخلية وأطر الحوكمة لهما دور كبير جدا في بقاء الشركة وتنافسيتها على المدى القصير، المتوسط، والطويل. كما أن أفضل ممارسات الحوكمة تحمي الشركات من عديد من القضايا التي قد تؤثر سلبا في استمرارية الشركة في القطاع الذي تعمل به، فعلى سبيل المثال آلية فض النزاعات في الشركات العائلية وجد أنها من أفضل الممارسات التي تسهم في استمرار الشركات بعد الجيل الثالث، وكذلك تضارب المصالح، ومؤهلات مجلس الإدارة وتعطى كل منها أوزانا مختلفة على حسب أهميتها. ومن ثم تأتي عناصر الإفصاح كالعناصر البيئية، الاقتصادية، والاجتماعية. ويجب أن تفصل مؤشرات الأداء المختلفة المندرجة تحت كل من تلك الجوانب بحسب حجم الشركة، القطاع الذي تعمل به، وأولوية تلك القضايا. فمثلا الشركات التي لها أثر كبير على البيئة من انبعاثات الغازات، لقضايا التغيير المناخي يجب أن تتركز برامجها على معالجة هذه القضايا وبالتالي يكون المعيار البيئي لهذه الشركات ذا ثقل أكبر باعتباره يشكل أولوية كبرى لدى الشركات. إذ إنه من غير المنطقي أن تقوم تلك الشركات بتوجيه الجزء الأكبر من ميزانياتها المخصصة لبرامج المسؤولية الاجتماعية للقضايا العمالية داخل الشركة أو أي قضايا أخرى أقل أهمية.
كما أنه يجب التركيز على بعض قضايا الإفصاح الجوهرية مثل الإقرارات الزكوية التي تعد إلزامية على جميع الشركات المحلية، بأن يكون هناك معيار لمستوى تدقيق القوائم المالية لضمان نزاهتها، وكذلك صحة الإقرارات الزكوية المقدمة. كما يلزم أن يكون هناك مسح لجميع المؤسسات الخيرية وقياس فعالية التبرعات المقدمة لها. فمثلا، مستوى فعالية الإنفاق سيكون أكبر فيما لو قدمت شركة ما مساهماتها لجهات خيرية في حاجة ماسة لخدمات أساسية من جهات أخرى تتطلب خدمات أو مساهمات لأغراض أقل أهمية. ولا ننسى القضايا التنموية الوطنية ومستوى مساهمات الشركات كل حسب حجمها وقدراتها، وينبغي أن يكون هناك معيار لقياس مستوى امتثال الشركات لنسب التوطين التي وضعتها وزارة العمل، نوعية تلك الوظائف، وتقييم نقل المعرفة للموظفين المحليين.
ختاما ينبغي أن ننوه إلى أن المؤشرات وإن كانت تسهم بشكل واضح في تنافس الشركات وزيادة مستوى مساهماتها، إلا أننا ينبغي أن نحذر أن تتحول تلك التقييمات إلى فرص لتحسين سمعة الشركات على حساب مستوى وجودة المساهمات عن طريق تسويق تلك المساهمات لخدمة أهداف وأغراض أخرى عن طريق أقسام التسويق وعلاقات العملاء داخل الشركات. ونستكمل في مقال لاحق - إن شاء الله حديثنا عن مؤشرات الاستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي